Atwasat

مشروع الدستور... وآليات التصديق عليه

محمد عبدالرحمن بالروين الإثنين 04 يناير 2021, 01:58 صباحا
محمد عبدالرحمن بالروين

السؤال المهم هو كيف يجب أن تتم عملية التصديق على مشروع الدستور؟ وما هي النتائج المقبولة لإنجاح هذا الاستحقاق لكي يكون دستورا توافقيا ومقبولا. لعله من المناسب هنا الرجوع إلى نص المادة (30) الفقرة (2) من الإعلان الدستوري، الصادر في 03 أغسطس 2011، للبحث عن الإجابات. وليتحقق ذلك لابد من معرفة التالي:

أولا: ما هو نص المادة (30) الفقرة (2)؟
لقد نصت المادة (30) الفقرة (2) من الإعلان الدستوري المشار إليه، على أن: "... يعتمد مشروع الدستور من قبل المؤتمر الوطني العام، ويطرح للاستفتاء عليه بـ (نعم) أو (لا)، خلال ثلاثين يوما من تاريخ اعتماده من قبل المؤتمر، فإذا وافق الشعب الليبي على الدستور بأغلبية ثلثي المقترعين، تصادق الهيئة التأسيسية على اعتباره دستور البلاد، ويعتمده المؤتمر الوطني العام...."

وفي 11 مارس 2014 تم تعديل هذه الفقرة من المادة (30) لتصبح الفقرة (12) كالآتي: "... بمجرد انتهاء الهيئة التأسيسية من صياغة مشروع الدستور يطرح مشروع الدستور للاستفتاء عليه بـ (نعم) أو (لا) خلال ثلاثين يوما من تاريخ اعتماده. فإذا وافق الشعب الليبي على المشروع بأغلبية ثلثي المقترعين تصادق الهيئة على اعتباره دستوراً للبلاد، ويحال إلى مجلس النواب لإصداره…"

ثانيا: ماذا يعني هذا النص؟
من القضايا التي دار حولها جدال كثير هي كيفية تفسير هذا النص. بمعنى كيف يجب أن تتم عملية التصديق من قبل الشعب؟ والحقيقة أنه نص غامض ومركب، بمعنى انه يحتوي على مصطلحات فضفاضة وترك للمُشرع حق تفسيرها. فعلي سبيل المثال، لقد تضمن شرطين أساسيين لابد من تحقيقهما لكي تتم عملية المصادقة على المشروع.

الشرط الأول هو موافقة الشعب، بمعني (أ) هل المقصود الشعب كله؟ واعتبار ليبيا دائرة واحدة؟ أم يمكن تحقيق موافقة الشعب باستخدام الأقاليم التاريخية الثلاث، أو باستخدام الدوائر الانتخابية الإحدى عشرة التي تم على أساسها انتخاب أعضاء الهيئة التأسيسية؟ العجيب أن أعضاء الهيئة المناصرين للمشروع يطالبون بأن يتم الاستفتاء على اعتبار ليبيا دائرة واحدة! رافعين شعار: "اتركوا الشعب يقول كلمته!" والغريب في هذا الأمر، أن هؤلاء السادة، وخلال أعمال الهيئة وجلساتها، كانوا مصرين على المحاصصة الجهوية والمناطقية والعرقية، ورافضين لفكرة هيمنة إقليم واحد على مجريات الأمور. ليس هذا فقط، بل أصروا على أن تكون نقاشات الهيئة والتمثيل فيها على أساس المحاصصة. وكان شعارهم في هذا الخصوص: "لا.. للمغالبة العددية." فما الذي تغيرا؟

(ب) أم المقصود بـ "الشعب" هو كما عرفه المُشرع، في 2013، أن يتم اختيار أعضاء الهيئة التأسيسية على أساس الثلاثة أقاليم (ومعادلة 20:20:20)، وتحقيقا لهذا الغرض قام المُشرع بتقسم الأقاليم الثلاثة إلى إحدى عشرة دائرة انتخابية. وعلى هذا الأساس قامت الهيئة بعملها كممثل لكل الشعب. فما الذي يمنع الآن من استخدام نفس القاعدة القانونية للوصول للأغلبية المطلوبة عند إجراء الاستفتاء؟

أما الشرط الثاني فهو أن تتم المصادقة بأغلبية ثلثي المقترعين (وليس من مجموع عدد الذين لهم حق الاقتراع والذي يقدر بـ 3,500,000 مواطن وفقا لإحصاء 2006). والإشكالية هنا هي أن النص لم يحدد آلية الوصول إلى هذه الأغلبية، وترك للمُشرع اختيار الآلية المناسبة لتحقيق هذا الشرط. فما هو العدد المطلوب لتحقيق "أغلبية ثلثي المقترعين“؟ تصور معي أن عدد المشاركين في الاستفتاء هو 600,000 (أي نفس العدد الذي شارك في انتخابات أعضاء مجلس النواب العام 2014)، هذا يعني أن أغلبية الثلثين هي 400,000 (أي 1 من 8.75 من مجموع عدد الذين لهم حق الاقتراع)، وتصور معي أيضا أن جُل هذا العدد أتي من إقليم واحد! فهل يمكن القول وفقا لهذه النتيجة، أن الشعب قد اختار دستوره؟ وهل هذه هي الأغلبية المطلوبة؟ وهل يمكن اعتبار هذا الدستور توافقيا؟ يا أحباب ليس هكذا تُبني الأوطان؟

ثالثا: من تجارب الآخرين
لعله من أنسب تجارب الدول الحديثة التي يمكن الاستفادة منها في هذا الشأن هي تجربة عملية التصديق على الدستور الأمريكي (1787 – 1791). بعد أن اعتمد المؤتمر مشروع الدستور بعث به للمجالس التشريعية بالولاية ودعاها للمصادقة عليه إما عن طرق الاستفتاء أو المؤتمرات الشعبية وبالأغلبية المطلقة في كل ولاية، بشرط أن تتم عملية التصدق عليه بأغلبية تسع ولايات من الثلاث عشرة (9 من 13) ولاية. وقد استمرت عملية المصادقة أكثر من ثلاث سنوات.

وبالرغم من أن مشروع الدستور تمت كتابته واعتماده في مدة 116 يوما، إلا أن عملية التصديق عليه كانت طويلة وشاقة. فقد واجه إشكاليات عديدة يمكن حصر أهمها في – قضية اللامركزية والخوف من هيمنة الولايات الكبيرة، وقضية عدم تضمين "وثيقة الحقوق" في المشروع، وقضية مكانة الدين في الدولة. هذه القضايا دفعت بعض الولايات لطرح فكرة "التصديق المشروط" على المشروع من أجل اعتماده، فعلى سبيل المثال:

1. عدم تضمن المشروع لوثيقة الحقوق، شكل مشكلة في ولاية فرجينيا مما دفعها في البداية إلى رفض التصديق على المشروع إلا بعد تعهد مؤيديه بإضافتها، وبعد أن وافق المؤيدون على ذلك، صادقت فرجينيا في 25 يونيو 1788، (للمزيد راجع: ماير، 2010).

2. عندما صادقت أغلب الولايات الصغيرة بسرعة على الدستور، خشي مؤيدو المشروع، من أنه حتى لو صادقت كل الولايات الصغيرة وتحصل المشروع على الأصوات التسعة المطلوبة، فلن تكون الدولة الجديدة مستقرة وآمنة بدون أكبر ولاياتها، وأكثرها ثراءً واكتظاظا بالسكان، كأعضاء في الاتحاد الجديد – وبالتحديد نيويورك وماساتشوستس وبنسلفانيا وفيرجينيا. وكانت الموافقة في هذه الولايات صعبة، وخصوصا في نيويورك، إذ واجه المشروع معارضة قوية، مما دفع بألكسندر هاملتون وجيمس ماديسون وجون جاي لكتابة سلسلة من المقالات بلغ عددها الخمسة والثمانين (85) في صحف نيويورك وغيرها، وأدى ذلك إلى إقناع المواطنين في هذه الولاية بالتصديق على المشروع في 26 يوليو 1788.

3. رفض بعض الولايات وجود المادة السادسة التي تحظر استخدام الاختبارات الدينية لتحديد الأهلية للمناصب العامة، مما تسبب في تخوف بعض الولايات مثل نورث كارولينا، من وضع الحكومة المركزية في أيدي الوثنيين والمحمديين [أي المسلمين]، مما دفع هذه الولاية لرفض المشروع واشترطت إضافة "وثيقة الحقوق" من أجل اعتماده، وبالفعل تم التصديق على وثيقة الحقوق في كل الولايات في 15 ديسمبر 1791، (للمزيد راجع: كرينك، 1999).

العبرة من هذه التجربة هو النقاش الحي والساخن في كل الولايات حول إيجابيات وسلبيات هذا المشروع قبل التصديق عليه، وعندما رفضت بعض الولايات التصديق عليه أعطي لها خيار بديل وهو فكرة "التصديق المشروط،"، وبذلك وصلوا إلى التوافق ودخلت كل الولايات في الاتحاد الجديد الذي نعرفه اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية. وعليه هل بإمكان أهالينا الاستفادة من هذه التجربة، في كيفية الوصول إلى أغلبية ثلثي المقترعين؟ أم سنستمر في لعبة "المغالبة العددية،" وتبني مبدأ "من سيضحك على من“.

الخلاصة: لا بديل أمامنا، يا أحباب، إلا الوصول إلى وثيقة دستورية توافقية، إذا أردنا العيش مع بعضنا البعض، وتأسيس الدولة الحديثة التي يحلم بها الجميع. ومما تقدم يمكن استخلاص أنه لكي يتحقق الشرطان الأساسيان المذكوران أعلاه، هناك ثلاثة خيارات لا رابع لها.

الخيار الأول: أن يتم الاستفتاء باعتبار ليبيا دائرة واحدة، وأن تتحقق المصادقة على المشروع بالحصول على نسبة ثلثي المقترعين بغض النظر عن العدد الذي سيشارك في الاستفتاء.

الخيار الثاني: هو أن يتم الاستفتاء على أساس الثلاثة أقاليم التاريخية، وأن تتحقق المصادقة على المشروع بـ: (أ) حصول المشروع على نسبة الثلثين من عدد المقترعين على مستوي الوطن، بالإضافة إلى (ب) ضرورة حصول المشروع عل نسبة أكثر من 50% في كل إقليم.

الخيار الثالث: أن يتم الاستفتاء على أساس الإحدى عشرة (11) دائرة انتخابية، وأن تتحقق المصادقة عليه بـ: (أ) حصول المشروع على نسبة الثلثين من عدد المقترعين على مستوي الوطن، بالإضافة لذلك (ب) ضرورة حصول المشروع على نسبة أكثر من 50% في ثمان دوائر من الإحدى عشرة (8 من 11) دائرة انتخابية. فهل يمكن اختيار الآلية الأنسب من هذه الآليات الثلاث لكي يتحقق التوافق؟ هذا ما يجب أن يقرره العقلاء من أبناء الوطن ... أنا أعتقد أنه بالإمكان.

والله المستعان.

________________
المراجع:
Pauline Maier. 2010. Ratification: The People Debate the Constitution، 1787-1788. New York: Simon & Schuster، 431.
Isaac Krannick. 1999. “The Great National Discussion: The Discourse of Politics in 1787.” In What Did the Constitution Mean to Early Americans? ed. Edward Countryman. Boston: Bedford/St. Martins، 42.
Letter from Thomas Jefferson to James Madison، March 15، 1789، https://www.gwu.edu/~ffcp/exhibit/p7/p7_1text.html.
Evelyn C. Fink and William H. Riker. 1989. "The Strategy of Ratification." In The Federalist Papers and the New Institutionalism، eds. Bernard Grofman and Donald Wittman. New York: Agathon، 229.
Sky H History، "U.S. Constitution ratified." https://www.history.co.uk/this-day-in-history/21-june/us-constitution-ratified