Atwasat

نهاية عقد من الزمن ونخبة

أبوبكر ناصر الحاسي الإثنين 04 يناير 2021, 01:53 صباحا
أبوبكر ناصر الحاسي

ونحن في أواخر عام 2020، ومع اقتراب نهاية العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، هذه الحقبة الزمنية التي عاجت بالكثير من الوقائع في العالم عامةً، وفي ليبيا بوجه خاص، نتأمل مسيرتنا كليبيين لنرى ما الذي حققناه طيلة هذه الفترة، فنجدنا - دون أن نتفاجأ- قد فوتنا الكثير من الفرص، وأن بلادنا انحرفت بعيدا عن مسار بناء الدولة التي نرنو إليها، بمكانتها المتميزة تنموياً واقتصادياً وسياسياً.

نتساءل حينها عن الذي قادنا إلى هذا الفشل، فنصل عندئذ لنتيجة مفادها: أن الأصل فيما فيه البلاد اليوم من انقسام وفساد واقتتال وانتهاك للسيادة... إلخ، مرده، بالأساس، إلى غياب الاحتكام للعقلانية في التعامل مع الأسباب التي أدت بنا إلى هذا الفشل الحقيقي. الشيء الذي استوجب منا- انطلاقا من المثل القائل "معرفة الداء نصف الدواء"- أن نقوم في هذا المقال بتسليط الضوء على المرض الرئيس الذي أصابنا، والذي في تقديرنا يكمن في غياب النخبة السياسية القادرة على انتشال الدولة من المأزق الذي وُضعت فيه؛ ذلك أن النخبة الحالية المتصدرة للمشهد أبانت من خلال تعاطيها مع الأزمة عن وجود تأثيرات بنيوية عميقة ساهمت في جعل سلوكياتها تتشكل وفقاً لمفاهيم متداخلة ومتناقضة تماماً مع الأسس التي تهم عملية بناء الدولة.

لطالما كانت التجارب التي سبقتنا في عملية بناء الدول تبين لنا بأن الدولة لا تبنى إلا بوجود نخبة سياسية لديها وعي تام بضرورة وحتمية تشكيل كيان يعمل على تجسيد إرادة الأمة وحمايتها وتوفير مستوى الرفاه اللائق لها، إلا أنه عند البحث عن عامل الوعي في النخبة المتمركزة اليوم في مراكز التأثير من شرق البلاد إلى غربها، نجده مفقودا، بل لعله غير موجود إطلاقاً؛ وغياب هذا العامل يبدو واضحاً من خلال الطريقة التي تتبعها هذه النخبة في صراعها حول السلطة، وكذا تعاملها - أي النخبة- مع المسارات السياسية التي تهم إيجاد حل لهذا الصراع.

لا أحد يستطيع إنكار حقيقة أنه قد تعاقب على ليبيا – إلى حدود اللحظة – سبعة مبعوثين للأمم المتحدة – ابتداءً من عبد الإله الخطيب وصولاً إلى ستيفاني وليامز – ومع ذلك فإنه في كل محاولة تقدم في شكل مبادرة دوماً نجد أن النخبة المتصدرة للمشهد ما تفتأ بوسائلها إلا وأن تثبط مسار عجلة الحل في ليبيا؛ ولنا في ملتقى حوار تونس الأخير نموذج واقعي لما ندعي. فهي – أي النخبة- لا تمتنع/ تتورع عن استخدام كل السبل المتاحة لتطيل من بقائها في المشهد، دون أي مراعاة لآمال المجتمع في بناء الدولة الليبية المنشودة.

إن الدولة بحسب إنجلز جاءت نتاج مجتمع، بمعنى أنها ضرورة ملحة فرضها الصراع المجتمعي الطبقي. ومع الأخذ في الاعتبار المبنى من القولة، والاختلافات التاريخية والمجتمعية والاقتصادية، وبالتماهي مع فكرة إنجلز لنشأة الدولة، ودون استرسال أكثر في هذا المقال، نقول:

ما يحصل اليوم في ليبيا اعتراف جلي بأن الفاعلين في المشهد من شرق البلاد إلى غربها أصبحوا يتخبطون في تناقض عويص مع أنفسهم، بحيث أنهم قد انشقوا إلى تناحرات لا يمكن التوفيق بينها ويصعب التخلص منها، بيد أنه لكيلا تلتهم هذه التناحرات وهذه الطبقات التي لها مصالح فئوية واقتصادية متناقضة.. لكيلا تلتهم ما تبقى من الدولة والمجتمع، توجد حاجة للاقتناع بإلزامية انسحاب كل من ااتسم بطابع الجدل، أي كل المتصدرين على حد سواء، ووجوب دعم فكرة بروز لاعبين توافقيين قادرين على تخفيف حدة النزاع وحصره في حدود توزيع المصالح داخل النظام.

والذي يجب أن نسلم به اليوم هو أننا أمام مرحلة جديدة من التاريخ، لن نستطيع مجابهة تحدياتها أو التفاعل مع تطوراتها ما دمنا نعمل بالأدوات نفسها ونعيش وسط الصراعات الإلغائية ذاتها، فهي مرحلة تتطلب فهما عميقا للماضي والحاضر، وتستدعي توفر رؤى وبرامج تتماشى مع التطورات التي تشهدها السياسة والمجتمع معاً في ظل التطور التكنولوجي المهول، وكذا الصراع الدولي الضاري حول زيادة النفوذ وتوسيع نطاق التحالفات الدولية.

لذا، فإن أكثر ما نحتاجه فعلاً في المرحلة القادمة هو عدم القبول بإعادة إنتاج ذات النخب التي أبانت عن ضعفها في تدبير الصراع، والأهم يجب علينا المراهنة على لاعبين جدد يفترض فيهم تملك قدرات وأدوات تمكنهم من فهم وتحليل الوقائع الخارجية والداخلية للبلاد، ليستطيعوا من خلال هذا الاستيعاب إحداث تحول جوهري وحاسم في سبيل توحيد المؤسسات، وإطلاق المصالحة الوطنية، وتهيئة البلاد للانتخابات العامة التي طال انتظارها.