Atwasat

الرماية العشوائية في المناسبات الاجتماعية

جازية شعيتير الأحد 03 يناير 2021, 09:43 صباحا
جازية شعيتير

أصل الحكاية

جرت العادة في المجتمع الليبي أن يتم الإشهار عن المناسبات الاجتماعية بإطلاق عيارات نارية؛ فهي طريقة احتفالية ليس لإشهار الأفراح فقط، بل بعض أنواع العزاء "وفاة الشهيد"، وبفرحة قدوم مولود جديد "خاصة الذكور منهم"، وبفرحة النجاح "لاسيما التخرج الجامعي"!! بل وطرباً بعد غنــاوة العلم الجميلة، وأحياناً تأخذهم الحماسة ويفرغون حتى "...قبل الغناوة" كما يخبرنا المأثور الشعبي.

وبالتالي فهي في حد ذاتها ليست ظاهرة اجتماعية مستجدة، أو مستهجنة. وهي ذات دلالات متعددة، بحيث قد ترتبط بالوضع السياسي، والمكانة الاجتماعية، والحالة الاقتصادية للعائلة المحتفية باستعمال الرماية العشوائية.

وفي بلادنا هي ظاهرة قديمة بقدم معرفة مجتمعنا بالبندقية؛ لعلها من عهد المقاومة الشعبية للطليان، لكنها زادت بعد 2011 عندما طبقت مقولة الشعب المسلح عملياً، بعد تمكن الشعب من الحصول على أسلحة خفيفة ومتوسطة من وراء كل معركة حربية تخلف غنائم منقولة يسهل اقتناؤها، وإخفاؤها عن أعين القائمين على إنفاذ القانون؛ إما لبيعها بعد ذلك، أو لاستخدامها شخصياً. وامتد النطاق النوعي لصنوف الأسلحة المستخدمة احتفالا بالمناسبات الاجتماعية من الأسلحة الخفيفة، مروراً بالمتوسطة، وصولا للثقيلة!!

وصارت تحصد أرواح وأجساد ضحايا كثيرة بما جعلها تضحى ظاهرة، ولعل آخر ضحاياها، ونتمنى أن يكون آخرها فعلا، الطفل البريء قتيل العشوائي جراء رماية طائشة في إحدى المناسبات الاجتماعية مؤخراً بمدينة بنغازي.
نطاق الضرر ولعل مما يجانب الصواب التركيز في بيان خطورة هذه الظاهرة على ما تمثله من تهديد لأفراد الناس الآمنين؛ فهي تهدد أمن المجتمع بالقدر ذاته، لأنها تهدد السكينة العامة بضرر بالغ بإدخال الرهبة في قلوب كل المحيط المجتمعي، وقد تهدد الأمن الوطني للدولة.

وفيما يتعلق بأمن الأفراد نلاحظ طفو الاستشهاد بأخطارها على حياة الإنسان؛ بينما يمتد النطاق النوعي للحقوق المعتدى عليها بالتهديد إلى الحق في السلامة الجسدية وفي السلامة النفسية، فهذا الإطلاق للأعيرة النارية يهدد بالهلع والخوف، خاصة في المناطق الخارجة من النزاعات المسلحة ومن محاربة الإرهاب.

ولعل خطورة هذه الظاهرة في كونها استخداما لوسيلة قاتلة بطبيعتها مما يلزم باتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر في استخدامها. لا سيما أنها تتعدى على ضحية غافل وعديم القدرة على تجنب الضرر سواء كان في الشارع العام، أو في مقهى، أو أمام بيته، وأحياناً داخل بيته.

الوصف القانوني للظاهرة :
• اشترط قانون الأسلحة والذخائر 1967 فيمن ترخص له وزارة الداخلية حيازة أو إحراز سلاح ناري: أن يكون حسن السيرة، سليم العقل والإدراك، بالغ سن الرشد، ولم يحكم عليه سابقا في جريمة من جرائم الاعتداء على النفس أو المال أو المخدرات، وألا يكون قد سبق دخوله مستشفى أو مصحة للأمراض العقلية. وهو ترخيص مؤقت يحتاج إلى تجديد سنوي، وقابل للإلغاء لأسباب عديدة.

• ويقضي القانون رقم 2 لسنة 2014 بأن فعل حيازة أو إحراز الأسلحة بالمخالفة للقانون يعد جناية يختلف مقدار عقوبتها باختلاف نوع السلاح، وفي جميع الأحوال فالعقوبة تجمع بين السجن وبين الغرامة، وتزاد بمقدار لا يجاوز الثلث متى حمل السلاح في الأماكن العامة.

• أما إطلاق الأعيرة النارية، في حي مأهول، أو في أماكن مجاورة له، أو في الطريق العام؛ فهو جنحة حدد له القانون رقم 29 لسنة 1994 عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبالغرامة التي لا تقل عن مائتي دينار ولا تجاوز أربعمائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.

• ومن المعلوم أن القتل الخطأ يعامل جنائياً في بلادنا منذ 1994 وفقاً لأحكام قانون رقم 6 بشأن القصاص والدية، وهو قانون يعتد فقط بالمركبة الآلية كوسيلة خطيرة للقتل الخطأ.

ملاحظات قانونية
• يذهب بعض المناصرين للتشدد مع الجناة بوجوب تطبيق نص القتل جزافاً 296 عقوبات ليبي، والذي تصل عقوبته للإعدام عن الفعل الذي يعرض السلامة العامة للخطر متى نجم عنه موت شخص أو أكثر، بيد أن هذا النص يستلزم أن يكون الفعل المرتكب بقصد القتل وهو ما يغيب عن فعل مطلق الرصاص العشوائي.

• كما يذهب بعضهم الآخر إلى القول بأن التشدد مع الجناة يوجب تطبيق قانون الإرهاب رقم 3 لسنة 2014؛ بحيث يعاقب بالسجن المؤبد المادة 7 منه كل من يرتكب إحدى صور العمل الإرهابي (المادة 2 ) ومنها: كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع متى كان من شأن هذا الاستخدام إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم العامة أو أمنهم للخطر. غير أن هذا أيضاً يشترط قصداً معينا يصاحب الفعل ألا وهو قصد الإخلال الجسيم بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر وهو قصد يمكن لدفاع الجاني أن يثبت عدم توافره.

• ظاهرة الاغتيالات العشوائية توجب إعادة التفكر في الوزن النسبي الممنوح من المشرع للخطأ العمدي مقارنة بالخطأ غير العمدي؛ حيث يطلق المشرع حكما سلبيا أقل صرامة على الخطأ غير العمدي بجميع أنواعه وتدرجاته؛ بينما من المفروض أن يفرق في المعاملة القانونية بين الخطأ الجسيم والخطأ الأقل جسامة، كما يجدر به إعمال التفريد العقابي بين الخطأ العادي والخطأ الواعي مع التبصر، وبين الخطأ البسيط والخطأ المركب.
• يجدر التأكيد على أن الواقعة بها عدة جرائم مرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة وهي جرائم متدرجة الجسامة فمجرد حيازة سلاح بدون ترخيص جريمة، وإطلاق أعيرة نارية في مكان مأهول هي جريمة مستقلة بغض النظر عن حصول جرائم أخرى؛ حسب النتيجة الجرمية سواء جرائم إيذاء خطئية أو قتل خطأ.

• لعل من الضروري البحث عن سياسة جنائية تختلف عن العقوبات السالبة للحرية لما لها من مثالب على صعيد المحكوم والمجتمع على حد السواء، ولست أدري متى سيقرر المشرع الجنائي الليبي أهمية إقرار عقوبة العمل للمنفعة العامة باعتباره جزاء جنائيا ملائما؟
• لعل من الأفكار الجيدة ربط الجزاء الاجتماعي والأخلاقي بالجزاء الجنائي من خلال نشر الحكم بالإدانة، وهو ما نصت عليه المادة الثانية من قانون رقم 2 لسنة 2014 بشأن حظر الأسلحة والذخائر والمفرقعات.
• ولا يمكننا إهمال دور الأمن المجتمعي الذي سيقلل من حالات تقييد الواقعة ضد مجهول؛ من خلال أداء الواجب الوطني المتمثل في التبليغ لأقرب مركز شرطة، عن واقعة الرماية العشوائية، سواء من الجيران، أومن ضيوف المناسبة، كما أن صاحب المناسبة نفسه يتوجب عليه التبليغ، ويمكننا الحديث عن مسؤوليته بوصفه شريكا في جريمة الإيذاء أو القتل الخطئية.
• يلزمنا تدخل تشريعي لإعادة النظر في السياسة الجنائية لمواجهة ظاهرة الرماية العشوائية في المناسبات الاجتماعية.
الضحية الصامتة
لا يضيع حق وراءه مطالب؛ ولذا يجب على أهالي الضحايا أن يستمروا في الضغط المدني والاجتماعي؛ سواء من خلال الظهور الإعلامي لخلق رأي عام مناصر لقضيتهم، أو من خلال تنظيم وقفات حداد للتذكير بضحايا هذا الاغتيال العشوائي، وفي إحدى الدول العربية وجدنا أن أم أحد الضحايا ذهبت بعيداً حد الإضراب عن الطعام إلى أن يكتشف قتلة ابنها بالرصاص العشوائي.
كما أن عليهم طرق باب العدالة المدنية والجنائية لاقتضاء الجزاء القانوني سواء التعويض المدني أو لضمان عدم الإفلات من العقاب.

الدور الايجابي للمجتمع المحلي
 تحميل المسؤولية المجتمعية لدار الأوقاف ليكون من أولويات خطب الجمعة النهي عن هذا الفعل الترويعي، والتذكير بتحريم قتل النفس.
 كما أن للوحدات المحلية سواء البلديات وفروع البلديات والمجالس المحلية، دوراً فعالاً في تقويض هذه الظواهر السلبية.
 هل يمكننا التفكير في شركة أمنية خاصة مرخصة متخصصة، حصرياً، في إطلاق الرصاص نيابة عن أصحاب المناسبات؟

 هناك بعض الأفكار الإيجابية تدعو شيوخ القبائل إلى إصدار ميثاق اجتماعي يرتكز على:
1. عدم مباركة أي مناسبة اجتماعية تستخدم الرماية العشوائية تعبيرا عن الاحتفاء.
2. رفع الغطاء الاجتماعي عن الجناة مرتكبي فعل الرماية العشوائية المتسببة في إيذاء الآخرين في سلامة جسدهم أو حياتهم.

التوعية الإعلامية الشاملة
يكثر الحديث عن أهمية التوعية المجتمعية من خلال تبني حملات إعلامية تركز على مضار الظاهرة وبالتالي العمل على خلق عقل مجتمعي ينبذها.
ويفضل شمولها على نبذ الترويج الدعائي لاستعمال السلاح في المسلسلات والأفلام، ونبذ ألعاب الأطفال الإلكترونية، وحتى العادية، التي لا تخلو من ترسيخ ثقافة العنف، كما أن الحملة يجب أن تشمل نبذ الألعاب النارية والمفرقعات.
بارقة أمل الالتحام بين سلطات إنفاذ القانون وبين المجتمع المدني بشأن مواجهة ظاهرة اجتماعية ضارة هو حدث جدير بالإشادة؛ ولذلك لابد من تحية القائمين على الغرفة الأمنية المشتركة بنغازي الكبرى، حيث دعوا الحراك المدني بالمدينة للتشاور حول إطلاق حملة ضد إطلاق الرصاص العشوائي وفق مسارات كثيرة، وقد رحبوا بجميع المبادرات وأنصتوا لجميع الآراء، وهم بصدد مشروع مجتمعي كبير يضمن فاعلية إنفاذ القانون في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة.