Atwasat

بريطانيا ..و.. ما بعد بريكست

جمعة بوكليب الخميس 31 ديسمبر 2020, 01:47 صباحا
جمعة بوكليب

مساء الخميس الماضي، أطلَّ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من شاشات القنوات التلفزية، ليزفّ إلى مواطنيه خبر الوصول إلى اتفاق تجاري بين بلاده والاتحاد الأوروبي. هذه المرّة، ظهر بملامح مستبشرة، حاملاً بين يديه كومة كبيرة من الأوراق، يلوّح بها عالياً، وكأنه "كابتن" فريق وطني، يرفع عالياً بفرح كأس بطولة عالمية، فاز بها للتوّ، عكساً لكل التوقعات. كومة الأوراق تلك، وفقا للتقارير الاعلامية، تتجاوز الألف صفحة، تحتوي بنود الاتفاق التجاري الموقع بين الطرفين، والذي ابتداء من أول يناير 2021، سوف يوضع موضع التنفيذ. على عكس كل الاتفاقات التجارية التي تعقد لتمتين العلاقات والتعاون بين البلدان، الاتفاق التجاري هذا، بين لندن وبروكسل، الأول من نوعه في التاريخ، صمم لقطع ما بينهما من روابط وأواصر.

الاتفاق لم يحقق كل الوعود التي أطلقها السيد جونسون خلال الاستفتاء. وأن عدم فرض ضرائب على البضائع والسلع البريطانية لايعني عدم ظهور حواجز جمركية وادارية جديدة، في مناطق الحدود، تربك حركة تنقل السلع بين الطرفين. كما أن الاتفاق لم يوفر أي شيء لصالح قطاع الخدمات المالية المهم. إلى جانب أن المواطنين البريطانيين أنفسهم سوف يواجهون باجراءات تنظيمية جديدة تتعلق بتنقلهم في بلدان الاتحاد الأوروبي، وحرمانهم من حقوق الاقامة والعمل، من دون رخص رسمية.

الذين منّا أهتموا، خلال السنوات الأربع الماضية، بمتابعة تطورات قضية "بريكست"، وأتيحت لهم فرصة مشاهدة تلك اللقطة التلفزية التاريخية للسيد جونسون، لربما عادت بهم الذاكرة إلى الوراء، أو على الأقل هذا ما حدث لي. إذ بمجرد مشاهدته، قفزت إلى ذهني صورته في عام 2016، وهو في أوج حمّى حملة الاستفتاء، متنقلاً مع فريقه بحافلة كبيرة ، من مدينة إلى أخرى، محرّضا المواطنين على أهمية حرق وهدم الجسور مع القارة الأوربية لقاء أن تستيعد بريطانيا سيادتها وسيطرتها على حدودها.

السيادة الموعودة، من قبل السيد جونسون والمناوئين للاتحاد الأوروبي، أُستعيدتْ، أخيراً، وفق زعمه، كاملة. واستعادة السيطرة على الحدود صارت واقعاً فعلياً. وتحقق للمحاكم البريطانية ما فقدته من سلطات سابقاً أمام قضاة وأحكام المحاكم الأوروبية. وكل ذلك، تمّ في فترة تعدّ قصيرة نسبياً، لاتصل 10 شهور، وعبر مفاوضات تاريخية، عسيرة ومرهقة. مالا يمكن تجاهله هو حقيقة أن اتفاقاً تجارياً بهذا الحجم يستحيل، تحت أي ظروف، أن يتم الوصول إليه من دون تقديم تنازلات تنال من تلك السيادة المدعاة.

أضف إلى ذلك، أن المسافة الزمنية القصيرة التي تفصل بين التوقيع على الاتفاق سياسياً، والمصادقة برلمانياً، وبداية العام الجديد، لاتتجاوز أسبوعاً، مما يعني أن الاتفاق سيمرّ بسلام عبر القناة البرلمانية، متجنّباً أي تمحيص متوقع. البعض من المراقبين يرى أن ترك تقديم تنازلات من جانب لندن حتى آخر لحظة، عملية لا تخلو من خبث متعمد، لتفادي التمحيص. ويرى أولئك المراقبون، أن ذلك يتماشى تماماً والمنهج السياسي لرئيس الوزراء جونسون: ازدراء الرأي المخالف، وخوف من التمحيص.

السؤال : هل الوصول إلى اتفاق نهائي مع بروكسل كفيل بتضميد الجراح الموجعة التي سببها الانقسام الهائل في المجتمع البريطاني، الذي أحدثه الخروج من الاتحاد الأوروبي؟
الشائع هو أن أغلبية المناوئين لوجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي هم من حزب المحافظين.

ومن المتقدمين في العمر. وهو صحيح إلى حد ما، على أعتبار أن غلاة المناوئين لبروكسل كانوا من اليمينيين والمخضرمين في حزب المحافظين، لكنهم لم يكونوا لوحدهم، وليسوا فقط من كبار السن. الذين جلسوا في غرفة القيادة، في حملة معركة الخروج، كانوا خليطاً من يمنيين ويساريين، محافظين وعمال، شيباً وشباباً، ومن الجنسين. والمواطنون الذين صوتوا لصالح الخروج في صيف 2016، كانوا، أيضاً، مزيجاً من مختلف فئات المجتمع البريطاني، ومن مختلف الأعمار. وأن مدناً ومناطق عُرفت تاريخياً بولائها لحزب العمال، صوتت بأغلبية لصالح الخروج. وأن الانقسام نفسه، كان يمكن رصد خطوطه بوضوح، حتى بين كبار رجال الأعمال، والمثقفين، والاعلاميين.

لكن، بانتهاء العام 2020، سيكون الجميع- مناوئون ومناصرون - على متن قارب واحد، وبدفة بين أيادي قيادة محافظة.

وهذا سيجعلنا نطرح سؤالا يتعلق حول أهمية الجائزة التي ربحها السيد جونسون والمناوئين لاوروبا من الاتفاق، وهل بامكانها، حقاً، رأب الصدع؟
السيدة نيكولا ستورجن، زعيمة حزب اسكتلنده القومي، ورئيسة الحكومة المحلية في اسكتلنده، قالت، في نفس المساء الذي أعلن فيه رئيس الوزراء جونسون نبأ الوصول إلى اتفاق، " إن الوقت قد حان لتصبح إسكتلنده "دولة أوروبية مستقلة."

استبيانات الرأي العام تشير نتائجها نحو تزايد شعبية حزب اسكتلنده القومي، وتفاقم في نسبة المطالبين باستقلال اسكتلنده. فهل الانفكاك من اوروبا سيكون بداية تفكك الاتحاد البريطاني، واعلان استقلال اسكتلنده؟