Atwasat

الزعامة

محمد عقيلة العمامي الإثنين 28 ديسمبر 2020, 03:20 مساء
محمد عقيلة العمامي

هتف مواطن بريطاني غاضب في وجه رئيس الوزراء «ونستون تشرشل»: «أنت غبي وأحمق» فاقتيد للسجن، ولكن البرلمان اعتبر اعتقاله تَعديا على حرية الرأي، فاستدعي تشرشل وبيّن له نائب غاضب تعديه على حرية الرأي. تبسم تشرشل وقال له: «إن الشرطة لم تعتقله لأنه تطاول عليّ، بل لأنه أفشى سراً من أسرار بريطانيا العظمى!».

وعلى الرغم من سخريته المقنعة المضحكة، من برلمانه، إلاّ أنه هو من قال: «إذا أردت أن تعرف أي شعب في العالم، انظر إلى برلمانه ومن يمثله فيه، وبعدها سوف تعرف أي الشعوب يستحق رمي الورود عليه أو ضربه بالأحذية».

ويعد «تشرشل» من أشهر القادة السياسيين في العالم، بدأ حياته ضابطًا، ثم كاتباً ومؤرخاً وفناناً، ويعدّ رئيس الوزراء الوحيد الذي نال جائزة نوبل في مجال الأدب.

في مقال كتبه الرئيس الأميركي «دوايت أيزنهاور» من -20 يناير 1953 إلى 20 يناير 1961 – كان أول قائد أعلى للحلفاء في أوروبا، وهو الذي قاد جيوشهم في الحرب الثانية إلى النصر، قال عن تشرشل: «لما ودعه العالم بإعجاب وحب دافق لم يكن ذلك إلاّ شهادة صادقة متألقة تبرز ما يتعين أن تكون عليه الزعامة لقيادة البلاد..».

ثم تناول أبرز معلومة مفادها بأن علماء النفس يقولون إن فضائل الذكاء، والنزاهة، والشجاعة لا تصنع زعيما ولكن يصنعه عنصر غامض اصطلحوا على تسميته: «العامل X» وبين أنه يستحيل معرفته بالوسائل التشريحية أو غيرها ولكن يستطيع المهتم أن يكون فكرة ولو قريبة من شخصية الزعيم، إن رأى فيه صفات واضحة، لخصها في النقاط التالية:
- أول هذه الصفات «الإخلاص وإنكار الذات»: وتظهر بوضوح عندما نرى قائدا ينظر إلى عمله بجدية، ولا ينظر إلى نفسه. وجاء بالجنرال شارل ديجول مثالا، وقال عنه: «لم يلن عزمه في إعادة فرنسا إلى هيبتها وعظمتها، وخلت شخصيته من التفاهة والأنانية، وهو الذي أنقذ فرنسا من كارثة داخلية والتي حققها بدعوته في الجزائر في أكتوبر 1958 إلى سلام الشجعان».
- ثاني هذه الصفات «ثبات الروح، ومواجهة النكسات، والتعلم من الأخطاء، والنهوض من كبوة الهزيمة، وأورد الرئيس جورج واشنطن» مثالا لذلك.

- وثالثها «التواضع» وأبرزها بالحديث عن تشرشل والدموع تنساب من عينيه وهو يشكر عامة الشعب على مساعدتهم لإنجلترا.

- والرابعة، هي «الدراسة الدقيقة» وأبرزها في الرئيس روزفلت، الذي لم يكن عسكريا، ولكنه كان يناقش العسكريين أثناء الحرب العالمية الثانية في دقائق الأمور وجغرافية المواقع العسكرية، كما لو أنه يعرفها حق المعرفة. وكان يطلب من قواد جيشه التأكد من معلوماتهم وكثيرا ما أقنعهم بضرورة مراجعتها، وعندما يقنعونه يقبل الأمر بمنتهى السهولة.

- والخامسة، هي «قوة الإقناع» والفكرة أن القائد بمقدوره أن ينفذ الفكرة من دون الرجوع لأحد، ولكن كلما أمكن من إقناع من يقودهم، بدلا من إصدار الآوامر فقط يتفانون في التنفيذ ويؤدون أعمالهم بحماسة، لأنهم ساهموا في إعداد خطة العمل، وأصبحوا جزءا منه. فالزعامة هي فن الإقناع، ووسيلة الإقناع هي الديمقراطية.

- أما السادسة، خلاصتها أن مناحي الحياة كلها، برجالها ونسائها، تحتاج إلى زعامة من منحهم الله التفكير الصائب والمُثل العليا والقناعات بأن الخير يعم على الجميع عندما تحققه قيادة صائبة، وأن الديمقراطية في اتخاذ القرار تعني مجموعة عقول بدلا من عقل واحد، فمن وهبه الله الحكمة وموهبة الاستفادة من صواب، أو أخطاء الآخرين، يعي تماما أن الخير يعم عليه وعلى من يوفر لهم الحياة الكريمة. وأنه من الديمقراطية، ومن صفوف القادة الصغار يأتي القادة الكبار.

ولقد أضاف أيزنهاور إلى نقاطه السابقة أمرا في غاية الأهمية، فلقد ذكر أن أحد رجاله كان من الصف الثاني، وكان على درجة عالية من الكفاءة والشخصية المتميزة، قد استدعاه لإسناد عمل قيادي له، مبينا فرصته في تحسين وضعه المادي والمعنوي، وبين له أنه سيكون معتمدا بالكامل على نفسه ومسؤولا عن قراراته. ولقد فكر هذا الذي عرض عليه العمل القيادي كثيرا، ثم أجابه قائلا: «.. لا. أنا لا أصلح لهذه الوظيفة، إنني أصلح لوظيفة الرجل الثاني، أما الأول فلست كفؤا لها..».

عقب أيزنهاور أن الإجابة قد أذهلته، صدقه وأمانته، ولكنني احترمت قناعته. فالحقيقة هي أن أهمية الرجل الثاني، والثالث والرابع هي أيضا، وظائف مهمة للغاية. إن أي رجل يؤدي مهمته ويتمسك بالقناعات المثالية الصائبة هو في جوهره زعيم، وغالبا ما يبلغ حالة من التناغم والراحة النفسية. وما أحوجنا إلى من يعرف حدوده ويقف عندها، لأن سر النجاح أن يعرف المرء حدوده ويقف عندها، وما نجاح القيادة إلاّ بالتفاف مثل هؤلاء المثاليين الذين عرفوا حدودهم فكانوا خير عون لخير قيادة!