Atwasat

فاعلية توليد الحياة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 20 ديسمبر 2020, 10:12 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

اللافت للنظر أن الكتب التي تناولت الجنس في التراث العربي الإسلامي قام بوضعها فقهاء، ويكفي أن نشير هنا إلى المثال الأبرز، جلال الدين السيوطي، المعدود أحد أهم مفسري القرآن، الذي وضع عدة كتب في هذا الجانب.

ومادام الأمر يشكل ظاهرة فلابد أن تكون ذات سبب أو أكثر دفع بها إلى الواجهة. يبدو لي أن هناك جملة أسباب منها ما هو خفي، ومنها ما هو ظاهر.

الناحية الخفية من المسألة تتعلق، في اعتقادي، بأن الجنس كان، على الأقل منذ أن أسس الإنسان الأول القرى واستأنس النبات وأصبح يزرعه لإنتاج الغذاء، فعلا مقدسا لدى الإنسان، ولدى الآلهة، مثلما أبلغنا الفكر الأسطوري.

يقول فراس السواح* أن الفكر الأسطوري "يربط... دوما، حركة الحياة والمادة بحركة الآلهة التي تشكل أرضية ماورائية لكل ما يجري على مسرح الكون. لا يشذ عن هذه القاعدة حياة الإنسان وكل ما يتعلق به من غرائز وعواطف ودوافع تجد أصلها ومنشأها أيضا في فعالية إلهية كونية، وعلى رأسها الدافع الجنسي" (ص 183).

لذا لم يعتبر الإنسان الأول "الفعل الجنسي متعة فردية ونشاطا شخصيا معزولا، بل [اعتبره] طقسا يربط الإنسان المتناهي بالملكوت اللامتناهي، عبادة يكرر فيها الفرد على المستوى الأصغر، ما قامت به القدرة الخالقة على المستوى الأكبر" (ص 183). فعناصر الكون الأولى انبثقت عن فعل جنسي. كما ارتبط الجنس بظاهرة الخصوبة وفعل الإخصاب في النبات والحيوان، ونظر إليه كفاعلية مولدة للحياة تعيد إنتاجها في كل مرة.

لذا أعتقد أن هذا الشعور ظل غائرا في اللاوعي البشري على مر الأزمان، وصولا إلى الفقهاء المسلمين غير المتزمتين.

على الجانب الظاهر، فرغم أن الإسلام قيد الفعل الجنسي في نطاق ضيق (الأزواج وملك اليمين) وحُرِّمت ممارسته خارج هذا النطاق، ووضعت له عقوبات صارمة، إلا أنه لم يقف منه موقفا معاديا ولم يشجع المسلمين، ذكورا وإناثا، على الزهد فيه من خلال التبتل والرهبنة.

لذا كان الشيوخ غير المتشددين يرون في تناولهم هذا الموضوع والتأليف فيه رفعا للحرج عن الناس في الحديث عنه، لأنه لا يخالف الشريعة.

ولا ينبغي أن ننسى التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع الإسلامي بعد تحول الإسلام إلى إمبراطورية واسعة، حيث نشأت طبقات مترفة وازدهر تداول الرقيق وصارت وفرة في ملك اليمين (= الجواري) فنشأت حاجة ماسة لثقافة جنسية متطورة وازداد الطلب على الوصفات المقوية للباه (= القوة الجنسية). والجدير بالذكر أن بعض هذه الكتب كانت تؤلف بناء على طلب من وزير أو وال أو سلطان.

* فراس السواح، لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة، التكوين، ط 5، 2017، دمشق- سوريا.