Atwasat

ما لا يقال.. أزمة الثقة..!

عبدالواحد حركات الإثنين 14 ديسمبر 2020, 11:09 مساء
عبدالواحد حركات

الليبيون جميعهم يبحثون عن مخارج من الأزمات التي تتناوب عليهم، يبحثون عن حلول وعن إجابات صادقة وناجعة وليست إجابات سهلة؛ ويبحثون عن قيادات واضحة وليس ادعاءات كاذبة ومراوغات ومراهقات سياسية فاسدة كالعادة..!

كل أزمة، بأي وطن كان، تضرب بطريقتها وبقوة في صميم الإرادة الوطنية، وتنمو وتورق وتؤرق وتقلق وتبتز وتهدد الجميع بخبث أفعوي وتعمل على تآكل الثقة وتدمير النسيج الاجتماعي والسياسي، وتفقد مواطني الأوطان إيمانهم بوجودهم الفعال وترمي بالجميع، دون استثناء، في عمق الأسى، وتفقد الشعوب مكانتها وتوجهها، وتفقدها أيضاً ثقتها بالحكومات وصانعي القرار وبالجموع، وتتعاظم أزمة الثقة حتى تطل من كل واجهة معلنة الغياب على جميع الأصعدة، ومشعلة نيران شك عميق بالهدف والحياة..!

شعوب الشرق الأوسط وجنوب أوروبا تجلس جميعها على دكة اللاثقة واللايقين..!

إذ يبدو أن مشاكل أغلب الشعوب أعمق بكثير مما يظهر في واقعها، والانحدار المتسارع في الآمال والطموحات والرؤى المستقبلية بات آفة لا شك فيها، فالمشاكل الكامنة تهدد حياة كل الشعوب وفاعلية الحكومات، وتحشر الجميع في أزمات تفقدهم الثقة في المستقبل وربما في الماضي أيضاً..!

أزمة الثقة تصاعدية وإذا انفجرت لا يمكن حصرها بسهولة، فصفاتها وبائية ومعدية ومزمنة في الأغلب، وهي كارثة أخطارها محيقة بأي مجتمع أو مؤسسة أو بيت، فهي تسد أفق المستقبل وتشوه الحقائق وتبدل المسارات وتقزم الأهداف وتشتت الجهود وتضعف القوة بأي مستوى تصيبه، فلا نفع ولا رجاء في حال غياب الثقة بين الشعوب وحكوماتها أو بين فرق العمل وإداراتها أو بين المجتمعات ونخبها أو بين القادة والجنود أو بين أفراد عائلة أو قبيلة أو عشيرة..!

في ليبيا غابت الثقة.. ولكن لماذا غابت..!؟
لا يخفى على أحد حجم الانفجار المعلوماتي الذي حدث بعد ثورة فبراير، وحجم حرية الرأي التي تتجسد واضحة في كم صفحات الفيس بوك والمواقع الإلكترونية والقنوات التلفزيونية واختلاف خطابها وتوجهاتها، والزيادة الكبيرة في حجم النخب بكل أصنافها والنشطاء ومدعي الخبرة السياسية والتحليلية والكلامولوجيين ، وهذا الانفجار وتوابعه ساهم في تكويم معلوماتي بسبل يسيرة ومن جهات مختلفة التوجه وبمصداقية رديئة، ومن هنا بدأت المأساة. فلا عهد لليبيين بإدارة المعلومات وليس في ليبيا كوادر وخبرات قادرة على ضبط المحتوى المعلوماتي وإدارة المعرفة وتنقيتها وتهذيبها وتوجيهها إلى أهداف وطنية جامعة، بل تشرذمت النخب وتصدرت المواهب الواجهة لفراغها، وقد غاب التقييم يشكل تام، وظلت ذائقة الجموع هي معيار النجاح ومؤشره ودافعه، ولعب المال السياسي دوره الفريد في تشتيت العقول وزرع الهذيان..!

المشاكل الكامنة في ليبيا ظلت مخبأة تحت سرير السلطة لعقود، فلم ينتهِ الجهل ولم يمت التخلف ولم تتوقف العنصرية ولم يتعلم الليبيون، بل صاروا حملة شهادات لا أكثر، والبيئة والمناخ الفكريان لم يتبدلا ولن يتبدلا، وذلك لوجود أزمة معتقة صارت، بالتقادم، بصمة فكر ونظام معتقدات وقيد أصالة ومنهج تمييز وصك وطنية..!.

فقتل الثقة تم بمنهج ثورجي مريب، إذ ألغيت كل الثوابت وفخخ التاريخ بالأكاذيب، وعلقت مصائر البسطاء في حزمة قرارات تتطاير كل عام مع هبات السموم، وغاب الهدف وكثر الأعداء وفرضت العزلة الاجتماعية بدواعي الانتماء والتخوين، واكتسبت المؤسسات مزاجا أميبيا فتعملقت وتقزمت وتمددت وتقلصت وتغيرت أسماؤها وألغيت وأعيدت واندمجت وانفصلت بأسلوب ميلودرامي فظيع، جعل من اللامبالاة واللايقين واللاثقة والفكر السلبي مفردات الحياة ومحركاتها ووقود انفعالاتها وكوابح تنميتها..!.

غابت الثقة بسبب العديد من الأحداث والتأثيرات والغموض والنكران والفصامية والتخبط الولائي، ومن خيبات الأمل وفقدان الإنجاز وأجيال من المشاعر السلبية المدرجة على الجينات وبأروقة الفكر، فمعايشة البؤس الفكري جعلت من ديناميات الفكر بائسة ومن نتاجه بائساً أيضاً، فلا يمكن أن ترمي بذور حنظل وتنظر الكاميليا.!

أيها الليبيون.. كيف تأملون خيرا وأنتم لا تلوكون سوى السوء..!
الثقافة في ليبيا داء قاتل، فالمجتمع الليبي مجتمع هرمي السلطة يعيش في الماضي بملابس عصرية، وهزال الثقافة وتلوثها أدى إلى هزال المجتمع الذي يتعاطى معتقدات مقيدة، والذي يحيا ويقدس ثقافة ما قبل الدولة ويحارب بها أي جهود لبناء الدولة، فعداء الفردية وتهميشها أحد أهم السمات الاجتماعية في ليبيا، حيث يعطف الفرد على الجماعة وينتظر الجميع المستقبل أن يحدث، بدل أن يصنع بأيدهم وأفكارهم ورؤاهم، فالقلق الذي يسببه المستقبل وغموضه يحمل الجماعات على زيادة التشبث بالماضي وأسطرته واستخدامه كأداة لمواجهة المستقبل بأسلوب بدائي معادٍ للمدنية..!.
لا عزاء ولا أمل ولا رجاء.!

أفق المستقبل مسدود وصورته سوداء والحلول المنطقية غير ممكنة والاستراتيجيات يستحيل تطبيقها، وسيظل الليبيون يدورون في حلقة مفرغة ومفزعة تقصفهم ترسانات وسائل إعلام وثقافة ومعرفة وقودها ودينامياتها ونتاجاتها سلبية ومدمرة وغاية في البؤس والعبثية..!