Atwasat

الانتخابات.. وخرافة القاعدة الدستورية

محمد عبدالرحمن بالروين الأحد 13 ديسمبر 2020, 04:54 صباحا
محمد عبدالرحمن بالروين

الكثير من السياسيين والنشطاء، وخصوصا من أنصار مشروع الدستور، يصرون على أن القيام بانتخابات برلمانية يتطلب وجود "قاعدة دستورية"، ويحذرون الشعب بأنه إذا أجريت الانتخابات بدون ذلك ستستمر الفوضى ولن يتحقق الاستقرار المنشود. وبذلك يطالبون بالاستفتاء على مشروع الدستور كحل جاهز وسريع! والغريب أنهم يدعون الشعب إلى التصويت على هذا المشروع المعيب بـ "نعم" دون مناقشته ومعرفة ما فيه من عيوب! فدعونا نفهم ما يريد هؤلاء ومحاولة التفريق بين الحقائق والخرافات التي يعرضونها. ولكي يتحقق ذلك لعله من المناسب الإجابة عن الاستفسارات الآتية:

أولا: ما المقصود بمصطلح القاعدة الدستورية؟
تُعرف القاعدة الدستورية على أنها الوثيقة التي تبين وتنظم طريقة ممارسة السلطات في الدولة، وتحدد الأساس الأيديولوجي الذي يقوم عليه نظام الحكم. وباختصار، فهي تشترط ضرورة وجود دستور أو إعلان دستوري. والدستور هو الوثيقة المكتوبة التي تؤسس وتُعرف وتُنظم وتوزع وتُحدد السلطات في الدولة، وبعبارة أخرى هو قانون القوانين.

ثانيا: هل هناك دول بدون دستور مكتوب؟
نعم هناك دول ليس لها دساتير مكتوبة، ويمكن تقسيمها إلى:
(1) دول ديكتاتورية أو ملكية (كالسعودية) ليس لها دساتير، وحتى لو وجدت فهي دساتير شكلية، الغرض منها شرعنة الحاكم وتبرير تصرفاته.

(2) دول ديمقراطية ليس لها دساتير مكتوبة في وثيقة واحدة مثل كندا ونيوزيلندا وبريطانيا وسان مارينو. كل هذه الدول بها "قواعد قانونية"، تسمى أحيانا "القواعد العرفية" والمقصود بها - الأعراف والسوابق والقواعد غير المكتوبة في وثيقة واحدة.

(3) الجمهورية الفرنسية الثالثة (1870 – 1940)، التي استمرت أكثر من أي نظام حكم آخر في تاريخ فرنسا المعاصر (أي حوالي 70 سنة)، إلا أنها لم تقم على أساس دستور مكتوب، بل حُكمت بثلاثة قوانين ثم اعتمادها عام 1875، (للمزيد راجع: فاينر، 1977، ص 282).

(4) جمهورية ألمانيا الغربية (1948 – 1990) التي رفض مؤسسوها أن يُطلق على وثيقتها القانونية اسم دستور، وسُميت «القانون الأساسي». وذلك لأن مٌصطلح الدستور يعني وجود ترتيبات وقوانين دائمة. ولأنهم لا يُريدون الاعتراف بالتقسيم، واعتقدوا أن فكرة الدستور ستعمق تقسيم البلاد إلى شرق وغرب. ولهذا توافقوا على كتابة القانون الأساسي، واستمرت ألمانيا الغربية تُحكم بهذا القانون المؤقت 40 سنة، حتى تم توحيد دولتهم عام 1990، (للمزيد راجع: ماير وآخرين، 1996، ص 198).

(5) أما الحقيقة الأخرى فهي أنه حتى قيام الثورتين الأمريكية (1767) والفرنسية (1789)، لم يكن هناك شيء اسمه دستور مكتوب في وثيقة واحدة كما هو معروف اليوم، وأن أول دستور مكتوب هو الدستور الكونفدرالي الذي أسس لقيام الولايات المتحدة الأمريكية العام 1781، (للمزيد راجع: سدلوا وهنشن، 2000، ص 30).

ثالثا: هل هناك علاقة بين الانتخابات والدستور؟
بمعنى، هل فعلا لا يمكن أن تكون هناك انتخابات نزيهة بدون وجود قاعدة دستورية؟ الحقيقة أن هذا الادعاء خرافة، واعتقاد خاطئ لا يوجد إلا في عقول المنادين به. وللرد على هذه الادعاءات والمغالطات، دعوني أذكر أربع دول، ليس لها دساتير مكتوبة في وثيقة واحدة، ومع ذلك تمارس بها انتخابات نزيهة مند عشرات السنين. فعلى سبيل المثال لا الحصر:

بريطانيا: ليس لها دستور مكتوب، وكل ما لديها قواعد عرفية، ومع ذلك قامت بـ52 عملية انتخابية، استمرت من أول انتخابات حرة العام 1802 إلى الأيديولوجي الأخيرة عام 2019.

كندا: التي تأسست عام 1867، لا يوجد بها دستور مكتوب. والمصدران الرئيسيان للقانون فيها هما التشريعات البرلمانية والسوابق القضائية. ومع ذلك قامت بـ43 عملية انتخابية على المستوي الوطني، استمرت من أول انتخابات العام 1867 إلى الانتخابات الأخيرة عام 2019.

نيوزلاند: لا يوجد بها دستور في وثيقة واحدة، وتعتمد على العديد من المصادر التشريعية والوثائق القانونية والاتفاقيات. ومع ذلك أجريت بها 53 عملية انتخابية على المستوي الوطني، استمرت من أول انتخابات عام 1853 إلى الانتخابات الأخيرة العام 2020.

سان مارينو (أصغر جمهورية في العالم): ليس لها دستور مكتوب أيضا، وتعتمد على العادات والتقاليد وبعض القوانين. ومع هذا فقد أجريت بها 19 عملية انتخابية، استمرت من أول انتخابات العام 1945 إلى الانتخابات الأخيرة العام 2020.

الخلاصة مما تقدم يمكن القول، انه لا وجود لمبرر قانوني ولا منطقي ولا أخلاقي يمنع من قيام انتخابات برلمانية في أي وقت تكون فيه الهيئة الوطنية العليا للانتخابات جاهزة للقيام بذلك. فكل ما يحتاجه الليبيون اليوم هو وجود "قاعدة قانونية"، وليس "قاعدة دستورية" كما يدعي هؤلاء. والحقيقة أن "القاعدة القانونية" جاهزة، وهو القانون رقم (10) لسنة 2014 بشأن انتخاب أعضاء مجلس النواب. وإذا كان الليبيون يريدون انتخاب رئيس للدولة، فما على مجلس النواب إلا تعديل هذا القانون وإضافة هذا البند.

ولكن يبدو أن ما يقصده المنادون بشرط "القاعدة الدستورية"، ليس بمعناها القانوني – أي وجود قواعد وآليات قانونية تحدد نوع الانتخابات وكيفية تنظيمها، وإنما المقصود هو المعنى السياسي لها، أي السعي لتحقيق أهداف ومصالح من هم في السلطة وإضفاء الشرعية على أعمالهم لكي يستمروا حتى اعتماد دستور جديد للبلاد، وبذلك لا يُكتب عليهم الفشل، ويصبحوا بذلك الآباء المؤسسيين للدولة الليبية الجديدة. وعليه يمكن القول أن خرافة القاعدة الدستورية التي ينادون بها، ما هي، في الحقيقة، إلا انتهازية سياسية ومحاولة خاطئة لتسيس العملية الدستورية، ولن تقود في النهاية إلا إلى المزيد من إرباك المشهد وتعقيد الأمور.

فهل آن الأوان أن يعود هؤلاء السادة إلى الإعلان الدستوري (الذي أتي بهم إلى هذه المناصب)، إذا كانوا فعلا يبحثون عن قاعدة دستورية لإجراء انتخابات، وإلا فعليهم أن يوقفوا هذا اللغط السياسي ومحاولة العبث بالعملية الدستورية. أخيرا علينا جميعا أن نتذكر بأن التاريخ لا يرحم، وأن شعبنا يستغيث ويطلب من كل الخيّرين في الوطن الاتحاد والعمل للخروج من هذه الأوضاع المزرية التي يعيشها، وأن يقفوا معه لكي يعيش حياته الكريمة في سلام وأمن وأمان. ادعو الله أن يتحقق ذلك.
والله المستعان.

__________
المراجع
Edward Sidlow and Beth Henschen (2000), «America at Odds.» 2/e,
United States: Wadsworth, An International Thomson Publishing Company
S. F. Finer (1977), «Comparative Government: An Introduction to the Study of Politics.» 7/e, New York: Penguin Books
Edward Sidlow and Beth Henschen (2000), «America at Odds.» 2/e,
United States: Wadsworth, An Internatio nal Thomson Publishing Company
Constitutional Law in Canada, www.constitutional-law.net
الموسوعة السياسية، https://political-encyclopedia.org/dictionary/
Basic Law for the Federal Republic of Germany
www.gesetze-im-internet.de. Retrieved 6 January 2020.
Dieter Nohlen & Philip Stöver (2010) Elections in Europe: A data handbook, p16
San Marino – government, Governmental http://www.esteri.sm/ https://www.preventionweb.net/organizations/10306/view