Atwasat

ذكريات مدونة 24 ديسمبر!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 08 ديسمبر 2020, 12:04 مساء
أحمد الفيتوري

• يمكن للمرء أن يتظاهر باللامبالاة، وقلبه يحترق!.
لقد قمت أو عشت مشاريع ثقافية عدة، جلها كانت تنتهي غصبا، نتيجة أن الظرف الذي نعيش لم ينضج بعد، كي تحيا مشاريع ثقافية، فالقمع والعداء المجاني والعبثي للثقافة سيد الموقف. ولهذا كلما شاهدت مشروعا ثقافيا وضعت يدي على قلبي، نتيجة تلكم التجربة الطويلة والدؤوبة، التي لا تنتهي بتوقف أو فشل محاولة ما، فالثقافة في هكذا بلاد كائن لا تحتمل خفته!.

في البدء انضويت إلى فرقة المسرح الحديث، مطلع سبعينيات القرن العشرين، وكنت رئيس تحرير مجلة تصدرها الفرقة بسم "الرائد"، ما سرعان ما قبرت، المجلة ثم الفرقة، وهكذا دواليك، أشرفت على صفحة ثقافية بجريدة الفجرالجديد: "آفاق ثقافية – كتابات شابة"، ولم تكمل غير عام حين أوقفت، كما حصل مع جريدة "ميادين"، التي كنت مالكها ورئيس تحريرها، وقد صدرت يوم 1 مايو 2011 للتوقف في 23 سبتمبر 2014م.

وقبل كانت "مدونة سريب"، التي تأست في 24 ديسمبر 2006م لتوقف في مارس 2011م. مع سريب لي سريب من البحث والتنقيب والاطلاع والفحص والتقليب، جلّ اليوم من آخره حتى الفجر أسبح في ملكوت الانترنت ولا عاصم غير إرادتي. تشتط بي السبل هنا وهناك والآن وما قبل وما بعد، اليوم في مطلعه استقبله قبل أن يصلني وأتبعه وقد غادرني، كما نرى الشمس وقد طلعت عبر المديا ونحتفل بالعام الجديد قبل أن يبدأ عامنا كنت كل يوم في كل مكان. وقد وجدت أن اللغة لا مكان لها إلا اذا كان للإنسان مكان، فالعربية لغتي حيث ثمة من يستخدم هذه اللغة في الدنيا كافة.

كل مدون أدين له، وكل مدونة مدونتي من حيث أني قارئها، ولكل قاريء قراءة. لقد فتحت الكتب وآخذ الكتاب بقوة، وصارت الأسفار سفري، كما لو كانت شبكة الانترنت بساط الريح، وكما لو كنت سندباد. ولاعتبار أن ناقل الكفر ليس بكافر، فلقد جعلت من سريب البراح، سريبنا جمعا نحن من نطلع على هذه المدونة. ولم أحَرْ في أمور كثيرة لقد أطلقت يدي، وفتحت هذه النافذة بطريقتي، طريقة العصافير الطليقة.

واعتبرت سريب سريبي بيني وبين من يحب، هنا لا حرج فالمدونة بطبعها طبع شخصي محض، وفي هكذا حال ليس ثمة هدف أو معنى محددا مسبقا، فكل ما يجوز يجوز وكل ما يلزم يلزم، حتى أنه قد يلزم ما لا يلزم. لأنه في اعتقادي المدونة الحرية دون حدود من أحد.

وحتى المعايير المتعارف عليها، في حالة الدفتر الشخصي، تنقض جميعها أو بعضها، تقبل جميعها أو بعضها، فالمعيار الذي جاءت كي تكرسه المدونات هو الحرية، ولا رادع أمام الحرية إلا الحرية: هكذا الحرية سلاح كل منا في مواجهة أي عدوان، كما لو كانت الرادع النووي.

لقد تمكن أي منا أن يدون. هكذا تحولت الصحافة إلى الجميع حقا وفعلا، هكذا لم تعد مسألة التعيير في يد هذا وليس لهذا يد فيها، فهذا مما مضى. المعايير بدأت أيضا مسألة خارج الطغيان، فلم يعد بمكنة طاغية ما، أن يضع لنا معياره باعتباره المعيار .

وسريب كما لو كانت رقعة شطرنج، لكن خصمي على الرقعة المجهول، وهكذا كما لو كنت العب مع أنا، وبهذا كنت مسؤلا تجاه نفسي وما ترى وما تحب وما تستطيع... إلخ. وفي حالي هذا ضميري حكم بيني وبين نفسي، فسريب لعبة فيها الخاسر والكاسب واحد، ولهذا وجدت في الرقعة من يشاركني اللعبة من محبين وأصدقاء، حرصهم أكثر مني باعتبار أن أنا هو الآخر، لا أعرف بدونهم كيف كنت، سأجهد وأتبعثر وأضيع من الطريق طريقي.

لقد كانوا الحكم حين كنت الخصم، فالسريب بطبعه يأتي بسريب آخر، وبينهما كان الأصدقاء مدونين لهذه المدونة، التي كأنها مفرد بصيغة الجمع، وإن كانت جمعا في صيغة مفرد. هل الرقم فاصل في صلاة، لا يجوز الوضوء فيها إلا بالدم، أو كما صلاة الحلاج، صلاة مبتدأها العشق لا طائل فيها من عدد الركعات، فإن كتبت لمن تحب فكن كما السكارى ولا تعد الكوؤس. في طفولتي كنا لا نحب من يعدنا، وكان لنا أغنية نرددها كي نتقي شر من يعد مخافة العين والحسد، لعل الأغنية تقول: اللي عدنا نعدوه ... وفي القبر ندفنوه.

إذا، لنعتبر العدد من العدة، واعتبار ما سلف، أن نعد العدة لسريب قادم .
ايه سريب.. هكذا نحتج في اللهجة العامية في شرق ليبيا، على من يلح ويطيل، وهكذا يبدو أن طول الخيط يضيع الإبرة، فلا طائل من البحث في مسألة المدونات، لأنها كما مسألة نكون أولا نكون، أي هي مسألة شخصية، وللمرء أن يحقق حيثيته كما هو متاح، وأنه متاح لك ما لم يتح..

أذكر أني ألقيت كلمة في بيت درنة الثقافي، ما أقام احتفالا بالعام الأول لسريب، التي صدرت في 24 ديسمبر 2006م، وكان الاحتفال أيضا بوصول المدونة إلى رقم مليون زائر. ما وكدته في تلك الكلمة: أن الإنسان الحي لا يكل ولا يفر ولا يمل من الإكسجين، عفوا أقصد من المحاولة، فالحياة رهان على الغد المأمول ليس إلا.