Atwasat

ماذا بعد الانتخابات الأميركية؟ مستقبل ترامب السياسي

محمود محمد خلف الأحد 06 ديسمبر 2020, 10:55 صباحا
محمود محمد خلف

السؤال الرئيسي هو: هل سيعود ترامب للرئاسة لفترة ثانية بعد ما حصل من فقدان أصوات الناخبين مقارنة بمنافسه جو بايدن؟

البارحة، ترامب يدعو المشرعين في ميشيغان وبنسلفانيا وأريزونا وجورجيا إلى تعيين أعضاء في المجمع الانتخابي بولاياتهم يختارون ترامب رئيسا يوم 14 ديسمبر، متجاهلين نتائج الانتخابات التي يزعم أن منافسه جو بايدن والديمقراطيين قد بذلوا كل جهودهم لتزييف عملية التصويت.

وشن ترامب وفريقه القانوني الضخم حملة كبرى على مستوى ولايات الحسم وبعض الولايات الأخرى، ورفعوا دعاوى قضائية أمام العشرات من المحاكم على مستوى الولايات والأقاليم، مطالبة القضاء بإلغاء احتساب الأصوات البريدية والأصوات المشكوك في إجراءاتها الروتينية القانونية وكشف المغالطات والتجاوزات. 

وتطورت الحملة باتصال ترامب شخصيا وكذلك عبر الهاتف ومن خلال شخصيات معروفة على المستوى الفدرالي مثل السيد رودي جيلانتي، المحامي المخضرم والمدعي العام الفدرالي، الذي عرفه الأميركيون في أحداث 11 سبتمبر عندما كان عميدا لولاية نيويورك. والذي أدى شهادة قانونية قوية وصارمة أمام اللجنة القانونية الرئيسية التي شكلها الكونجرس لمتابعة الدعوة القضائية التي رفعها ترامب.

وعبر عمداء البلديات وأعضاء الكونجرس والنشطون الجمهوريون من خلال الشارع الأميركي والقنوات التلفزيونية المغمورة التي لا شك -في تقديري- مولها ترامب وسخرها من أجل ترسيخ فكرة أن بايدن سرق أصواته في ولايات الحسم، وكذلك عبر نشاط الأعداد الغفيرة من المؤيدين الجمهوريين على «تويتر» ومواقع التواصل الاجتماعي الشائعة في أميركا. 

ودون شك فإن إصرار ترامب على الفوز بالرئاسة لفترة قادمة، رغم إعلانات القنوات الإعلامية المسيطرة على متابعة العملية الانتخابية والصحف الكبرى في واشنطن ونيويورك وغيرهما، عن الفوز المبدئي أو غير المصدق أو غير الرسمي الذي تعود عليه الأميركيون من قبل، هذا الإصرار المعزز بقوة المال والطبقة المحيطة المستفيدة، فضلا عن وجود بعض الخروقات في نظام عمل أجهزة شركة الدومنيون، والانهيارات الموقتة المتكررة التي تعرضت لها هذه الأجهزة «والتي تعرف في لغة الكمبيوتر باصطلاح clitches»، وهي الأجهزة المخصصة رسميا لاستقبال واحتساب الأصوات، والتغير الذي حصل في بعض الأجهزة لصالح بايدن، كلها عوامل نجاح مساعدة في حملة الرئيس ترامب.

وهذا الإعلان غير الرسمي لنتائج الانتخابات يعزز رسميا من خلال مصادقة أو ترسيم ختم الولاية على النتيجة النهائية في الولاية، وتسمية الرئيس ونائب الرئيس الذي اختارته الولاية بالانتخاب المباشر، وهي العملية التي يقوم بها سكرتير الولاية «the Secretary of State»، لتصبح هي المرشد الرسمي لأعضاء المجمع الانتخابي بالولاية لاختيار هذا الرئيس في 14 ديسمبر الجاري.

والسؤال الآن: هل سيختار المجمع الانتخابي ترامب رئيسا للولايات المتحدة وليس جو بايدن الذي كسب عددا أكبر من الأصوات من غريمه؟ هل سيتجاهل أعضاء المجمع الانتخابي في ولايات الحسم الدعوى القضائية التي رفعها ترامب واتهم فيها خصمه والديمقراطيين بعمليات تزييف واسعة شملت ملايين الأصوات؟ أم أن عددا «صغيرا، كبيرا، أم كلهم» سوف يدعمون ترامب على أساس رفض فكرة التزييف التي تحطم الديمقراطية الأميركية؟ هل سينظر هؤلاء الأعضاء المصوتون المتميزون في المجمع الانتخابي إلى عوامل أخرى غير الانتماء أو الولاء الحزبي، مثل التقييم والاختيار على أساس النظر إلى أي منها يستطيع أن يجسد المصالح القومية للأمة الأميركية، أو العمر والحالة الصحية؟.... إلخ.

لا أحد يستطيع أن يعطي إجابة صحيحة ومؤكدة؛ كل ما في الأمر هو مجرد تكهنات وقياسات بالانتخابات السابقة.
إن اختيار الرئيس من قبل المجمع الانتخابي مستقل عن نتائج الانتخابات. قرار المجمع الانتخابي يفترض أن يعكس الخيار الأفضل للولايات المتحدة الأميركية، بغض النظر عن الانتماء الحزبي. نعم، يحدث أن يكون اختيار المجمع معاكسا؛ ففي انتخابات العام 2000 تفوق آل جور على جورج بوش في عدد الأصوات، بينما اختار المجمع بوش رئيسا. وفي انتخابات 2016، كانت أصوات هيلاري كلينتون فاقت أصوات ترامب، ولكن المجمع الانتخابي اختار ترامب. كما حدث هذا تاريخيا في انتخابات1824، وفي 1876، و1888.

لو كان اختيار المجمع الانتخابي إجباريا أن يتوافق مع نتائج الانتخابات ما كان هناك مبرر لوجوده أصلا.
إن حقيقة الأمر هي أن كل ما سوف يتوقع أن يحدث لن يؤكد اختيار ترامب رئيسا، فهناك 22 ولاية اعتاد أعضاء مجمعها الانتخابي ألا يغيروا خيارهم في اختيار الرئيس غير الذي انتخبته الولاية. علاوة على ذلك، فإن العامل الذي يمكن أن يفيد ترامب ليس فقط مدى جدوى الدعوى القضائية، وإنما التأثير الشعبي الذي يخلق دعما شعبيا وقد يدفع المحكمة الدستورية إلى إعادة الانتخابات في ولايات الحسم «تعرف بالانتخابات الطارئة». ويكون قبلها قد كلف الكونغرس السيدة بيلوسي، رئيسا للولايات المتحدة، إلى حين انتهاء البت في الموضوع دستوريا.

ويمكننا القول إن الحقيقة الدامغة هي أن السياسة صراع. في خضم هذا الصراع «الممكن» قد يصبح حقيقة، و«المضمون» قد يفقد أو يضيع، ولا قوانين علمية مثل قانون الجاذبية أو قانون بويل أو قوانين تفاعل الأحماض مع القلويات. الصراع السياسي تتحدد نتائجه بعوامل معقدة يصعب حسابها أو التنبؤ بها. وكل شيء يضحى واردا.
ومع ذلك، فإن الحقيقة الموازية لما سبق هي التذكير بأن نظام الاختيار بالمجمع الانتخابي نظام غريب ومعقد إلى حد كبير، وهو مناقض للمبدأ الديمقراطي الشهير «صوت واحد للشخص الواحد»، حيث يتيح نظام المجمع الانتخابي امتلاك عضو المجمع أعدادا من أصوات المجمع «electoral votes». 

وكانت انتقادات كثيرة وجهت لهذا النظام؛ غير أن هذا النظام ظل صامدا كخاصية مميزة ضد طغيان الأغلبية غير المتجانسة.