Atwasat

إشكالية خارطة الطريق «المرحلة التمهيدية للحل الشامل»

عزة كامل المقهور الأربعاء 02 ديسمبر 2020, 09:48 مساء
عزة كامل المقهور

نشرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وثائق ثلاث على صفحتها الرسمية، ملحقات لبيان صادر عن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، حول الجولة الأولى لملتقى الحوار السياسي الليبي.

ورغم التكتم الذي جرى فيه ملتقى الحوار السياسي الليبي، وعدم صدور بيان عن الحاضرين عقب انتهائه بتاريخ 16-11-2020، فإن رئيسة البعثة بالإنابة، السيدة ستيفاني وليامز، التي أصدرت بيانًا يوم 16-11-2020 صرحت فيه بأنه نُشرت وثيقة خارطة الطريق «المرحلة التمهيدية للحل الشامل» على الصفحة الرسمية للبعثة الأممية للدعم في ليبيا. كما أن السيدة ستيفاني وليامز ذكرت في إحاطتها أمام مجلس الأمن بذات التاريخ «توافق ممثلو الليبيين في ملتقى الحوار السياسي الليبي والبالغ عددهم 75 مشاركًا على خارطة طريق لإجراء انتخابات وطنية وشاملة وديمقراطية ذات مصداقية، وذلك في 24 ديسمبر 2021».

وتجدر الملاحظة أن هناك تضاربًا في أقوال أعضاء الملتقى من حيث نهائيتها من عدمه.

وتعد هذه الوثيقة:
1- أهم وثيقة من الوثائق التي من المفترض أن تصدر عن الملتقى لأنها الأساس.
2- أنها نصت على أن الهدف الأسمى للمرحلة التمهيدية هو «تعزيز الشرعية السياسية عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية على أساس دستوري»، أي أن انتهاء هذه المرحلة الانتقالية الخامسة هو بصدور الاستحقاق الدستوري، لذا فإن تحقيقها مهم لاستئناف المسار الديمقراطي.

الإشكالية الأولى: قانونية
1- وقع هذا المستند في مغالطات قانونية، أهمها على الإطلاق ما ورد في المادة 7 من هذه الوثيقة تحت عنوان (الإطار القانوني لخارطة الطريق)، الذي ورد فيه في الفقرة 1 منه «تعد خارطة الطريق جزءًا أساسيًّا وإطارًا عامًّا لمخرجات ملتقى الحوار الوطني، والمرحلة التمهيدية للحل الشامل»، وهو في الحقيقة نص صادم لأنه يهمل بالكامل الإعلان الدستوري، وهو الدستور الموقت للبلاد الذي صدر في 2011 بعد انتفاضة اجتاحت المنطقة بأكملها، وتعد حدثًا مهمًّا في تاريخ ليبيا، وتم اعتماده من أول سلطة منتخبة (المؤتمر الوطني العام)، وصدرت أحكام دستورية استنادًا إليه. والأهم أنه جرت ثلاثة انتخابات عامة تأسيسًا عليه (انتخاب المؤتمر الوطني العام، انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، انتخاب مجلس النواب)، لتأتي هذه الوثيقة وتهمله كدستور موقت للبلاد، وهذا يذكرنا بموقف سبتمبر 1969 الذي أهمل دستور 1951 ثم ألغاه. فهل جبلنا على تجاوز وإهمال دساتيرنا وتجاوزها واستبدالها اليوم باتفاق سياسي ثبت فشله وتبعاته الكارثية؟! بينما ورغم المحن ظل الإعلان الدستوري صامدًا وإن كان ضعيفًا.

أما سياسة حشو الإعلان الدستوري في موضعين آخرين ( الاتفاق السياسي أُشير إليه خمس مرات) فلا يجدي، فالعبرة بهذه المادة المعنونة الإطار القانوني لخارطة الطريق. هذا سيرتب تبعات وإشكاليات قانونية وغيرها لن تزيد الأزمة إلا تأزيمًا.

2- نصت الفقرة 3 من ذات المادة «تعتبر مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي مجتمعة اتفاقًا مضافًا للاتفاق السياسي الليبي الموقع في سنة 2015 والمضمن دستوريًّا»، والحقيقة أن الاتفاق السياسي الليبي لم «يضمن دستوريًّا»، فالتضمين إجراء قانوني وطني بحت، باعتماد السلطة التشريعية لآلية محددة ألا وهي صدور تعديل دستوري من السلطة التشريعية، ويكون ذلك بطريقتين:
أ‌- قبول الاتفاق السياسي، ثم تضمينه بصدور تعديل دستوري وفقًا للإعلان الدستوري، ونشره في الجريدة الرسمية استنادًا لقانون الجريدة الرسمية رقم (8) لسنة 2011 بشأن تنظيم الجريدة الرسمية.
وما حدث هو قبول للاتفاق السياسي من مجلس النواب مع التحفظ، لكنه لم يصدر تعديلًا بالخصوص، لكن مجلس النواب أصدر تعديلًا تحت رقم 11 لسنة 2018 مفاده «تضمين الاتفاق السياسي المعدل وفقًا لما تم الاتفاق عليه، بتكوبن المجلس الرئاسي من رئيس ونائبين ورئيس حكومة منفصل» و«عدم إضفاء أي شرعية على أية أجسام أو صفات أو مراكز قانونية نشأت قبله، ولم تكن مضمنة في الإعلان الدستوري»، وهو في الحقيقة (تعديل) ركيك أقرب إلى التصريح السياسي منه إلى التعديل الدستوري، فلا علم لنا بتعديل للاتفاق السياسي متفق عليه، كما أن هذا المستند ينتقي من اتفاق سياسي معدل (لم يصدر) ولا يقبل به كاملًا ويزيد من إرباك المشهد وإضعاف المؤسسات القائمة. وقد لاقى هذا التعديل اعتراضًا وهجومًا من مجلس الدولة آنذاك. علمًا بأن هذا التعديل مشكوك في صحة إصداره سواء من حيث النصاب المحدد للتعديلات الدستورية أو الآلية ذاتها.

ب‌- الطريقة الثانية تكون بقبول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1016/ 2015، وهنا يعامل في حكم الاتفاقية الدولية، ليصدر قانون بالتصديق عليه من السلطة التشريعية ونشره في الجريدة الرسمية، ليصبح جزءًا من التشريع الليبي، لكنه في مرتبة القانون الرئيسي (العادي)، وحتى هذا لم يحدث، وعمومًا فإن قرار مجلس الأمن المشار إليه، لم يأتِ بأية صيغة ملزمة، ولم يتدخل في مسألة التضمين، بل ورد فيه ما يلي «يرحب بتوقيع اتفاق الصخيرات السياسي الليبي في المغرب في 17 ديسمبر 2015».

ومن هنا فإن مصطلح التضمين وهو مصطلح قانون بآلية وطنية معينة لم يحدث، بل إن النص عليه في هذه الوثيقة ما هو إلا طريقة سياسية لها تبعات، ومن بينها تأزيم الوضع القضائي في ليبيا وإثقال كاهله.

ج- من المهم أيضًا القول إن قرارات مجلس الأمن منذ توقيع الاتفاق السياسي كانت حريصة على عدم ذكر مصطلح التضمين، ذلك أنه شأن وطني، بل نصت ورددت أن قرارات مجلس الأمن تنص على أن «يرحب بإقرار مجلس النواب مبدئيًّا للاتفاق السياسي»، مثال «قرار مجلس الأمن رقم 2323 (2016)»، ولم ينص قط على اعتباره «دستور»، أو أنه جرى تضمينه في الدستور الليبي الموقت (الإعلان الدستوري)، بل إنه بعد أن كان يصفه بالحل السياسي الوحيد، تراجع مركز الاتفاق السياسي ليصبح مجرد إطار وهو منصوص عليه (كإطار) ضمن مخرجات برلين، حيث ورد في مخرجات برلين المعتمدة بقرار مجلس الأمن رقم ( 2510/ 2020) على «ندعم الاتفاق السياسي الليبي بمثابة إطار قابل للتنفيذ»، وهو ما يعني حتمًا أنه ليس حتى بالإطار العام، بل ذاك الإطار القابل للتنفيذ.

كيف تعتبر هذه الوثيقة الاتفاق السياسي دستورًا لليبيا، بينما قرارات مجلس الأمن بما فيها مخرجات برلين لم تسبغ عليه هذا الوصف؟ ولماذا وضع هذا المصطلح ذو الثقل القانوني البالغ بهذه البساطة «مضمنًا دستوريًّا» دون أن يكون له أساس واضح؟!

هذه المسألة القانونية الإجرائية بالذات بحاجة إلى نقاش هادئ في ملتقى الحوار الوطني، بل قد يحتاج الأمر للاستعانة بآراء خبراء قانونيين في المسألة، التي من وجهة نظرنا يجب أن لا تؤخذ بهذه البساطة التي اعتمدتها الوثيقة.

الإشكالية الثانية: الطريق المتعثر والمفتوح
بدأت هذه الوثيقة بالتشديد والتأكيد أن الهدف الأسمى للمرحلة الانتقالية «هو تعزيز الشرعية السياسية عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية على أساس دستوري»، ورغم أن مصطلح «الشرعية السياسية» مألوف في الحالة الليبية التي عاشت قرابة نصف القرن على أساس شرعية ثورية، وهي الأقرب إلى الشرعية السياسية التي قامت على قبول شعبي وسقطت برفض شعبي، فإن ليبيا عرفت مسارًا ديمقراطيًّا ضعُف بسبب الاقتتال الداخلي وانتشار السلاح والتدخلات الدولية وهي أسباب لا تزال قائمة، إلا أن اختيار هذا المصطلح في حد ذاته يعني مسألتين:
الأولى، أنه يفترض عدم وجود سلطة دستورية تمامًا بما في ذلك الاتفاق السياسي والمؤسسات المنبثقة عنه. أما المسألة الثانية، فهي الإقرار بأن ملتقى الحوار السياسي الليبي هو مؤسسة واقع بخطة دولية، وهي جسر عبور لحالة دستورية تستأنف بموجبه المسار الديمقراطي.

والإشكالية هنا تبرز في المواعيد التي وُضعت في هذه الوثيقة، وهي مواعيد تعجيزية وغير واقعية من ناحية، ومفتوحة من ناحية أخرى.
المواعيد المنصوص عليها كالتالي:
- 18 شهرًا حدًّا أقصى لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية -وفق استحقاق دستوري- يوم 24 ديسمبر 2021. وهي كما واضح مشروطة بوضع استحقاق دستوري.
- 60 يومًا لإنجاز الاستحقاق الدستوري من المؤسسات المعنية بالعملية الدستورية، ودون تحديد هذه المؤسسات «المعنية بالعملية الدستورية». «مسألة خلافية أخذًا في الاعتبار موقف الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور من عدم التدخل في مهامها».
- وبعد انقضاء 60 يومًا تعود لملتقى الحوار الوطني لإنجاز الاستحقاق الدستوري بعد أن يشكل «لجنة قانونية» ويحدد مهامها. ومن غير المعروف فيما إذا كانت هذه اللجنة من داخله أو من خارجه. وهنا المدة المنوطة بملتقى الحوار الوطني مفتوحة وغير محددة.

لذا فإن المدة المحددة 18 شهرًا هي مدة مفتوحة في الحقيقة، لأنها متوقفة على إنجاز استحقاق دستوري والتشريعات اللازمة له وأهمها «قانون/ قانونا انتخابات»، ولا خطة في حالة عدم الوصول إلى استحقاق دستوري خلال هذه المدة، وهو أمر حدث في حالة اتفاق الصخيرات وبالتالي قد يتكرر.
أما الإشكالية الثالثة، فتتمثل في نص لا حاجة له لكن يبدو أن وراءه غرضًا معينًا، فالمادة السابعة «فقرة 4»، وهي مهمة، تنص على: «يقوم ملتقى الحوار السياسي الليبي بالاتفاق على القواعد الضرورية فقط الحاكمة للعملية السياسية خلال المرحلة التمهيدية. وتعد هذه القواعد تدبيرًا قانونيًّا موقتًا، ولا ينبغي اعتبار أحكامه مبدأ أو عرفًا ثابتًا.
ورغم هذا النص الإيجابي، فإن هناك نصًّا آخر يعتبر للوهلة الأولى تزيدًا، وما هو بذلك وهو نص المادة «2، فقرة 1»، الذي ينص على أن «تتقيد خارطة الطريق بالمبادئ الحاكمة الواردة في الاتفاق السياسي».

وطالما أن الاتفاق السياسي حسب هذه الوثيقة يشكل إطارًا قانونيًّا، بل إن هذه الوثيقة تعد ملحقًا له «اتفاقًا مضافًا. المادة 7/2»، فما الحاجة إلى هذا التخصيص للمبادئ الحاكمة وتقديمها على غيرها من النصوص بجعلها قيدًا ضاغطًا على هذه الوثيقة برمتها، وذلك بنزعها من الاتفاق السياسي الذي هو إطار وتحويلها إلى قيد على هذه الوثيقة. وبالعودة إلى المبادئ الحاكمة في الاتفاق السياسي سنجد فقرة أساسية ليست بتدابير وقتية تتعلق بمصدر التشريع «فقرة 5»، وهو نص مختلف عن النص الوارد في الإعلان الدستوري «مادة 2»، وتتعلق بمصدر التشريع. كما أن هذه المسألة ليست تدبيرًا وقتيًّا يختص به ملتقى الحوار بل هو من جوهر العملية الدستورية، وبهذا تكون هذه الوثيقة قد خالفت قيدها المنصوص عليه في المادة «7/4»، وألزمت المرحلة التمهيدية بمبدأ أساسي ليس من اختصاصها المرحلي الموقت. وهو نص سيقيد الاستحقاق الدستوري حتمًا وقد يكون محل خلاف.

أتمنى أن تجد هذه النقاط اهتمامًا من المشاركين في ملتقى الحوار، وأن تضبط الوثيقة بالحد الأدنى بما يكفل تطبيقها بشكل متناغم مع التشريعات الوطنية. ليبيا ليست حقلًا للتجارب الدولية ولا بلادًا بلا مؤسسات -حتى في ضعفها- لذا فإن العمل الدولي بمعزل عن الواقع الوطني لن يزيد الوطن إلا جراحًا وتقسيمًا، فالليبيون لا يتحملون وحدهم وزر ما حدث ويحدث، بل يشاركهم المسؤولية -دون الهموم والأحزان- دول أجنبية ومجتمع دولي لم يتفق من أجل ليبيا وإنما اتفق عليها.