Atwasat

تاناروت سنة خامسة والمسرح الحديث أيضا!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 24 نوفمبر 2020, 02:21 صباحا
أحمد الفيتوري

قلت لنفسي أن الاختلاف يبدو ظاهرا، كما التشابه ما يكون مطمورا، فالحرص في العادة على التباين، كل يبتغي التفرد، لكن ليس ثمة تفرد دون تشابه. تذكرت الاستاذ المسرحي المجري، من حكى لي عنه تلميذة في بودابست، الصديق المخرج المسرحي داوود الحوتي قال لي: حين كنت أدرس المسرح في المجر، أول درس تعلمته من أستاذي: أنك لا تستطيع أن تخرج عن القاعدة التي لا تعرف، ما لا تعرف تكرره دون أن تعرف. كذلك لا تختلف إلا مع ما تشبه، حيث يكون الاختلاف هو الإضافة المفارقة.

• تاناروت سنة خامسة
تاناروت ولد في الزمان والمكان، حيث ما يصح إلا الصحيح، كمشروع ثقافي في زمن الثورة والحرب، وليس كالقوى الناعمة فاعلة في الحرب من أجل السلام والحياة.

لقد تابعت منذ هاتيك اللحظة الاستثنائية، مقاربات تاناروت الجمعية للثقافة والفن، ما كانت شجرة صحراء فريدة غريدة، كنت أعرف من مؤسسيها الكاتب محمد عبدالله الترهوني، وفي اللحظة تلك، كانت الموسيقى والعروض السينمائية ثم المسرحية، النشاز ما يبدد أنغام الرصاص والإرهاب وكل عنف، أما قراءة الكتب والمحاورات، فكانت كمن يسقي روح "بنغازي"، المدينة العطشة للحياة في مواجهة الموات المهيمن.

ولم تكن متابعتي تكف، فالنشاط يبزه نشاط آخر، وكل يوم إضافة واستمرارية في الوقت الصعب، ما يكسر إيقاع الحرب، وكل يوم يبزغ اسم وفعل فجملة مفيدة، الحيوية والفعل الشاب يضطرد. تاناروت منذ أول فجره، كان المكان الذي يعول عليه، فحسب قول ابن عربي: المكان الذي لا يؤنث لا يعول عليه، فإذا بنساء المدينة في وثبة ثابتة، يساهمن بقفزة ممتازة، في المعمار البشري لـ "تاناروت"، فيأخذن الكتاب بقوة، ويدفعنا بالفعل الثقافي والفني إلى الأمام.

تاناروت سنة خامسة تمر، جذوره قوية وغصونه بازغة، فقد كان بذرة حية، حيث المدينة بنغازي، زاخرة بالمماثل من الجمعيات الثقافية، لعل أبرزها نادي اللغة العربية بإشراف الفنان واللغوي المميزعلى أحمد سالم، من كان له فضل السبق.

كان ادريس السنوسي الملك، يردد جملة: أن المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله، وتثبت الأيام صعوبة أن نحافظ على ما نلنا ما نصبو إليه، ولهذا في السنة الخامسة لتاناروت تذكرت، مفاعيل ثقافية أخر شاركت فيها، وكأن لسان حالي يقول، ما يزرع كالضحكة لا يذهب هباء.

• المسرح الحديث سنة خامسة
فرقة المسرح الحديث في بنغازي، احتفلت سنة 1975م بالسنة الخامسة لتأسيسها، من مؤسسيها الفنانين محمد بن حريز الممثل المخرج، على أبوجناح التشكيلي المخرج الممثل، على عبدالله خليل المؤلف المسرحي، محمود الزردومي المخرج المسرحي التلفزيوني، كما الممثل منصور الزغيبي، بدأت كفرقة مفارقة، تهدف أن تكون فرقة، تتميز بالمسرح الليبي في التأليف والإخراج والتمثيل والموسيقى والسينوغرافيا، وما في حكمه. لذا كان من انتسب إليها عند التأسيس شغفه ما يشغل المؤسسين، ومنهم كنت، كما مصطفي الهاشمي شغلنا الثقافي حجر الأساس للمستهدف، ومن طرابلس التحق على محمد المصراتي المخرج المسرحي التلفزيوني، وكذا على الجهاني المخرج المؤلف من ساهم في وضع لبنة فرقة أشبال المسرح الحديث كعبد السلام الزغيبي وعادل الفقي وخليفة الحوات.

سنة 1975م، واجه المسرح في ليبيا قرارا تعسفيا إضافيا، بأن تدمج الفرق الأهلية في فرقتين ببنغازي وثلاث بطرابلس، تمردت عن تنفيذ القرارفرقتا المسرح الحديث/ بنغازي والمسرح الحر/ طرابلس، وعليه قرر مجلس الإدارة في كل فرقة التوأمة مع الأخرى. من خطط مواجهة العسف، ما عرفنا به من مناشط ثقافية وفنية.

كنت من الفاعلين في وضع الخطة وتنفيذ حيثياتها: أن نقوم بنشاط فني ثقافي مرتكزه العرض المسرحي، وأن تكون المناسبة الذكرى الخامسة لتأسيس الفرقة. فكانت هناك مسرحية جديدة، ثم مسرحية لفرقة أشبال المسرح الحديث، ومعرض للتشكيل وآخر للصور، ما كان الممثل عبد المنعم العروية من الفاعلين فيه، ويوم لفرقة المسرح للموسيقى الغربية ومنهم الفنان أحمد فكرون ومحمد سالم، يوم الشعر من شعرائه الراحل على الفزاني وشعراء عرب يقيمون بالمدينة، يوم القصة القصيرة بمشاركة قيمة لكتاب قصة في المدينة من ليبيين وعرب، والختام حفل غنائي مميز.

كان كل يوم من الأسبوع الاحتفالي باسم شخصية، يتم تكريمها ولقاء معه وجمهور الحضور، إضافة إلى معرض يركزعلى نشاطه ويضم صورا ووثائق: الممثل سالم بوخشيم شيخ الفنانين، مصطفي الأمير المؤلف المسرحي المعروف، ويوسف العالم الموسيقي من وضع موسيقى تصويرية للمسرحيات، عبد السلام قادربوه الشاعر الغنائي من كتب قصائد غنائية لمسرحيات عدة، محمد المصلي الكاتب المسرحي وكان حينها يصارع المرض، وفوزية العجيلي من عرفت بأنها أول ممثلة مسرحية ليبية. وقد ضممت كرئيس تحرير، الكثير من هذه المناشط، في مجلة "الرائد" التي تصدرها الفرقة وتطبع "استنسل" في نسخ محدودة، كذلك كتبت تغطية في بعض من الصحف والمجلات، ما كانت تصدر حينها.