Atwasat

ما يلزم من الأشجار

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 22 نوفمبر 2020, 05:25 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

تُروى واقعة طريفة، مفادها أن سائق سيارة وراكب دراجة نارية توقفا أحدهما بجانب الآخر أمام إشارة المرور الحمراء، تحت مطر كثيف. فتح صاحب السيارة النافذة وخاطب جاره: خيرات! خيرات! لكن راكب الدراجة اُستفز ورد عليه بكلمة فظة.
هذه الواقعة الطريفة ذات دلالة في اختلاف استقبال الأشياء حسب ظروف كل مستقبل. ربما جسدها المثل الشعبي القائل: «اللي إيده في المية، مش زي اللي إيده في النار».

فسائق السيارة نظر إلى المطر، الذي يبدو أنه جاء بداية موسم الأمطار، من زاوية تأثيره الإيجابي على الزراعة، وبالتالي فهو بشارة خير. وهو داخل سيارته محمي من التعرض إلى الابتلال به واحتمال إصابته بنزلة برد. أما صاحب الدراجة النارية فمعرض، لحظتها، إلى سلبيات المطر، بشكل مباشر.

في شريط وثائقي عن الحرب العالمية الثانية، روى جندي إنجليزي، قادته ظروف الحرب إلى التوهان في غابة آسيوية، عن تجربته المريرة في الغابة، حيث العتمة والعفونة وعسر الحصول على الطعام والماء، ومخاطر الثعابين والحشرات، وما إلى ذلك. لكن جنديا يابانيا، تاه في الغابة هو أيضا، تحدث عن حسن حظه وعن الأمان الذي يمكن أن يجده الإنسان في الغابة وسهولة الحصول على الطعام والشراب.

فالعسكري الإنجليزي، حتى ولو كان قد عاش فترة في منطقة غابات في بلاده، وجد غابة من طبيعة مختلفة ليست له خبرة بمصادر الحياة فيها ولا بمواجهة مخاطرها، فلا يعرف أن ثمة أعشابا يمكن التغذي عليها أو ثمارا يمكن أن تغذيه وتعوضه عن الماء. على حين أن العسكري الياباني يدرك ذلك ويعرف كيف يستفيد من المحاسن وتجنب التهديدات.

يورد* جان جينيه حكاية مؤثرة. فعندما كان مدعوًّا سنة 1971 من إحدى الجامعات الأميركية لإلقاء محاضرتين بشأن الحديث عن حزب «حركة الفهود السود» بأميركا الذي تأسس سنة 1966، وعن مشاكل السود إجمالا، إلى جانب محاضرتين من قبل أحد الفهود السود، طلب، وهو يتوجه إلى المحاضرة، من دافيد هيليارد، أحد قادة الحركة، المجيء معه، ففوجئ بإجابة هذا الأخير: «لا يزال أكثر مما يلزم من الأشجار»!

يقول جينيه: «طوال الرحلة بالسيارة لم تكف الجملة: (لا يزال أكثر مما يلزم من الأشجار) عن ملاحقتي، وعليه، فلم تكن الشجرة، بالنسبة لأسود لم يكد يبلغ سن الثلاثين، لتعني نفس ما تعنيه للأبيض، أي عيدا من الأوراق والعصافير والأعشاش والقلوب المحفورة على الجذوع والأسماء المتعانقة، وإنما: مشنقة»!

* جان جينيه، أسير عاشق، ترجمة كاظم جهاد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2016، ص 59.