Atwasat

أذربيجان-أرمينيا مختصر مأساة «خوجالي»

سعاد الوحيدي الخميس 19 نوفمبر 2020, 01:21 مساء
سعاد الوحيدي

في كتابه «في سبيل الصليب» يروي الكاتب الأرميني داود خيريان: «في برد الصباح القارس، كان يجب أن نصنع جسرًا من الموتى، لعبور مستنقع باشيولاق... لاحظ العقيد أوليان ترددي، فأشار لي: لا تخف!! فوضعت قدمي على صدر طفلة، وبدأت السير. لقد غرقت قدماي وسروالي في الدم، إذ عبرت هكذا فوق 1200 جثة». يتحدث الكاتب هنا عن عبوره مع فيالق القوات الأرمينية نحو «خوجالي»، لمسحها ومن عليها في ليلة وضحاها، من خارطة الوجود «في 26 فبراير 1992». وقد كانت عروس جبال قره باغ دون منازع، متكاسلة إلى تاريخ، ومعمار إسلامي خرافي الجمال، والتميز.. هذا الذي كُتب له أن يُدك دكًّا، وأن يختلط ركامه بأشلاء أهل المكان، في فاجعة «إنسانية» يصعب على الحروف تصويرها.

وهي الواقعة التي أبرزت في ذاتها واحدًا من أعقد النماذج التاريخية لانقلاب شعب كان «ضحية» للقمع أو الإبادة عبر تاريخه، إلى جلاد بامتياز بحق شعب آخر. ففي الوقت الذي نجح فيه الأرمن في الترافع أمام العالم بشأن انتهاكات الأتراك بحقهم، «حتى إن البرلمان الفرنسي أصدر اعترافًا بأن ما حدث من طرف القوات التركية بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، هو نوع من الإبادة العرقية»، نجدهم لم يترددوا في القيام بأبشع وأشنع جرائم الإبادة العرقية، ضد الأذربيجان المسلمين في «خوجالي»، بل هم ذهبوا لتوظيف أشكال من العنف المريع يصعب تصور صدوره عن بشر، هو الذي يقفز للرأس مع تسارع الأحداث المعاكسة من طرف أذربيجان هذه الأيام، وقد كنت أظن بأنه لم يعد لأموات خوجالي كثير بواكٍ!!

وترتبط هذه القضية، أبعد من وجع التخلي الذي تعاني منه أذربيجان من طرف الأمة، لوقوعها بين نار انتمائها للمذهب الشيعي من جهة، وخياراتها الاستراتيجية للتحالف مع السنة عبر التاريخ. «فبقيت خارج اهتمام الشيعة كما السنة»، بإشكاليات تركة الأراضي القومية المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق من ناحية، وإشكالية الأراضي القومية المتداخلة، حيث قد تتمركز أغلبية قومية على أراضٍ ضمن دولة وطنية مجاورة، «كنموذج كشمير ذات الأغلبية المسلمة في الهند»، حيث ارتأت أرمينيا ضم إقليم قره باغ الأذربيجاني «المتمتع بالحكم الذاتي» لوجود جماعات أرمينية به، «أصدر مجلس السوفيات الأعلى لجمهورية أرمينيا الاشتراكية قرارا بإلحاق الإقليم لأرمينيا في ديسمبر 1989»، الأمر الذي اعتبرته أذربيجان انتهاكًا للسيادة الوطنية، ودخلت في مواجهات مسلحة مع أرمينيا، استمرت لست سنوات، وحتى غزو القوات الأرمينية لخوجالي في فبراير 1992. وحيث قامت باحتلال ما يقارب 20%‏ من التراب الأذربيجاني، وقتل، وتشريد ما يفوق المليون أذربيجاني. «وصف تقرير لجنة حقوق الإنسان مذبحة خوجالي بأنها أبشع مجزرة حدثت في تاريخ النزاع الأذربيجاني-الأرميني، وأنها نسق من التدمير المنظم، والتطهير العرقي الذي مارسته القوات المسلحة الأرمينية، التي تترافع أمام المجتمع الدولي كضحية».

ويتعذر في حقيقة الأمر الخوض هنا في تفاصيل هذا النزاع الذي لا يزال قائمًا بين البلدين، إلا أن اللافت هو ضراوة العنف الممنهج الذي وظفه الأرمن المسيحيون، لاقتلاع جذور الوجود الإسلامي في قره باغ. وذلك من خلال قتل وذبح وسحق وسلخ الجلود وبقر بُطُون الحوامل «وفق مختلف التقارير الدولية ذات العلاقة»، وهدم معالم المعمار الإسلامي من مساجد ومدارس وبيوت... بهدف قطع خط الرجعة أمام غير الأرمن لتلك الأرض. «المشهد الذي نراه يتكرر اليوم في ميانمار بحق الروهينغا، حيث ينخرط بوذية المنطقة في ذبح وتشريد المسلمين وتدمير وحرق مدنهم، بهدف إزالة الوجود الإسلامي هناك».

كيف نحكم على ردة الفعل القومية من طرف أذربيجان اليوم؟ هذا سؤال يُطرح للتاريخ، ومن خلال التاريخ ذاته وفق تفاصيله المعقدة... خارج الأحكام التعبوية المتسرعة؛ قاصرة النظر، والعمق.