Atwasat

الشرق الأوسط المأزوم

عبدالواحد حركات الخميس 19 نوفمبر 2020, 01:41 صباحا
عبدالواحد حركات

لنبدأ بمواجهة الحقائق الموجعة التي تحوطنا والتي نكوِّنها وتكوننا أحيانًا كثيرة!

الهروب إلى الأمام أكثر جدوى من الهروب إلى الخلف، والتستر بنوستالجيات خائبة والتوق إلى ماضٍ انتقائي محشو بالمثالية طُردت منه جميع السلبيات وتأنق وتأسطر وتهذب بأسلوب دراماتيكي ليس (التستر» سبيلًا للعيش أو التطور، فأخطاؤنا المتكررة والمتراكمة باطراد وما حُمِّلناه وحَملناه وتوارثناه من أفكار عرجاء أو ناقصة أو موسمية خاطئة، ينبغي أن توضع في مسار منطقي وواقعي وبراغماتي، وأن تتقلص وتنكمش وتذوب وتتبخر كل الأخطاء مع تجدد وتكرر التجارب، بدل أن تتفاقم وتتعاظم وتتوالد وتنتشر وتتحول إلى كوارث واقعية وفكرية وهوياتية!

يجب أن نتقبل مشكلاتنا.. ونوقف البحث عن حياة هاملتية خيالية متموضعة في بعد سابع، لا سبيل ولا طريق ولا سكك ولا أنفاق ولا قراصنة ولا مهربين بإمكانهم أن يوصلونا إليها لنحياها، فما بأيدينا أن نصبح سعداء أحرارًا طلقاء وننعزل عن واقعنا وحياتنا التي صنعناها ونصطنعها بأنفسنا، فما نعيشه هو المعنى الحقيقي للحياة التي تناسب إمكاناتنا الفكرية والحضارية والمدنية، وتليق بنا وتنطبق على مقاييس ما نكونه كأفراد وكمجتمعات. فالفرار إلى عوالم افتراضية ورسم حياة ملائكية بيضاء على الأكف الثلجية لا يغني ولا يسمن ولا يسد رمقًا ولا يحل مشاكل ولا يبني أوطانًا ولا يؤهل أجيالًا ولا يصنع هوية ولا يعبر عن وجود ولا يحقق أدنى معايير المنافسة في عالم تصنعه وتحكمه وتقولبه وتقلبه الأموال وسياسات الدهاقنة وأصحاب الطموحات والاستراتيجيات والعقول!

ليبيا ليست أبدًا بخير.. والشرق الأوسط بأسره ليس بخير ولن يكون بخير!

لم تعد أزماتنا مادية، بل هي وجودية، إدارية، اجتماعية، معتقدية، وثقافوية تأدلجت «صارت أيديولوجيا» وتمنطقت «أصبحت منطقًا» وتمنهجت «أمست منهجًا» ومدت ساقيها في كوكتيل حياتنا واختلطت بجيناتنا، وصارت صبغتنا وهويتنا التي لا خصام ولا فصام ولا فطام فيها ومنها وعنها، ولا فكاك للشعوب الحائرة والدائرة في فلك الأزمات المصطنعة سوى خوض غمار التغيير طوعًا وليس كرهًا، وخفض مقاومات التغيير العابثة إلى أدنى مستوياتها، ووضع استراتيجيات إقليمية معمقة للنهوض وتلافي حالة الوهن تحت أثقال الفشل المتزايدة التي تدفع الأوطان والأفراد، أعمق فأعمق، في هاوية سقوط حضيضها الفناء!

لم يعد العالم كما كان صبيحة العام 2000، وليست الحياة كلها واقعية ومحسوسة اليوم!

إن التغيرات السياسية التي نراها على السطح هي، في العمق، تغيرات فكرية، اقتصادية، لها مسبباتها ودوافعها، وما الصراعات والحروب في جوهرها سوى حروب مال تدار وتدور لترتيب عالم مستقبلي لا وجود فيه للحكومات السياسية، فسوف تنتهي السياسات المحلية للدول وتتأسس سياسات إقليمية في مستوى ابتدائي لسياسة عالمية شاملة، وسوف تزول المواطنات والجنسيات، ويرقص الدولار رقصته الأخيرة على ركح مهتز ومهترئ قبل أن يلفظ أنفاسه على مذبح التكنولوجيا، وتستبدل به عملة إلكترونية افتراضية، ونعيش بلا مال في الجيوب أو بلا جيوب!

ما من شك.. أن الفكر الشرق أوسطي فكر مأزوم عمومًا، والفرد الشرق أوسطي يولد مأزومًا بأزمة مركبة مادية ومعنوية، فالشتات الفكري أساسه بذور الفكر الأولى، وكذلك وجود منابر النخب وقادة الرأي وصناع ومؤدلجي ومدبلجي الفكر في الشتات، فالفكر النخبوي النامي في الشتات أسس لقضايا مجتمعية لا جذرية، هي ذاتها أزمات في الوعي الشرق أوسطي والمعنى، وفاقم الفكر الناقل للمعارف والمبادئ والأيديولوجيات من الشتات في تعميق الأزمة المعنوية لافتقاره لفلسفة حاضنة، وبرغم عمق تأثير الأزمة المعنوية إلا أن مرايا الحياة لا تظهر سوى فظاعة الأزمة المادية المرتبطة مباشرة بحياة الفرد والمجتمع، لأنها الأسرع في التغير والأكثر قسوة وانتشارًا وتلونًا، والأكثر تجسدًا، فلا صراخ من أجل الهويات، بل من أجل الأمن والجوع والبطالة!

قد أدت الأزمة المركبة إلى تكوين فكر وعقلية مأزومتين، وانتقل التأزيم أوتوماتيكيًّا إلى آلية التفكير وماكينة صناعة الفكر وتوليده وتنميته وتطويره، وأنتجت، بمرور الزمن وتتالي مواسم التأزم، قناعات ومسلمات وأسسًا فكرية محورها وجوهرها ونواتها وبذرتها الأولى التأزم، فاختصرت الحياة والوجود والوطن والعصر والهوية والعمل في أزمة، نمت وكبرت ومدت جذورها في الشعور والنفسية، فغدا الفرد الشرق أوسطي مأزومًا من المهد إلى اللحد ولا فكاك له من التأزم، فبيئته وفكره وثقافته وحياته ومخرجاته كلها نسجت بخيوط مأزومة.!

كيف السبيل إلى نجاة!؟

لا سبيل ولا قوافل ولا حادي عيس أو مناظير ليلية، فالسبيل يصنع ويشق في العدم بإرادة ووفق استراتيجيات تطلعية، ويشترط أو ينبغي أو يستحسن أن يكون البحث عن نجاة جامعًا وموحدًا للشرق الأوسط، فالإمكانات لا تفي بتحقيق الهدف والعزائم خائرة، والموارد البشرية الضعيفة تحتاج إلى قيادة أنبياء وقديسين!