Atwasat

نساؤنا.. أوهام التمكين وحقائق الواقع

بوابة الوسط - القاهرة الأحد 15 نوفمبر 2020, 01:06 مساء

لا شيء يبدو مستحيلا، بل كل شيء إيجابي، وحتى رومانسي، فالمرأة «الأم - الأخت - والزوجة» نصف المجتمع، والطاقة الدافعة للحياة، وعلى ذلك تستمر الإنشائيات والسرديات الجميلة، لكن الحقيقة هي أن الواقع يبدو أكثر تعقيدًا، والمعاش يزداد سوداوية، أمام المطالبة بحق المرأة في الحياة أساسًا.

فللأسف.. التناقض الثقافي هو سمة مجتمعنا الليبي، ولصيق بالثقافة الشاملة. فحين يكون سلوك الإمام الشيخ عكس مقولاته، وحين يصبح المعلم سبب الغش في الامتحانات، وحين يقوم المسؤول السياسي بابتزاز المرأة ومساومتها من أجل تمكينها، وهو من يتشدق بأحقية مشاركة المرأة السياسية ويزايد بذلك، إلى آخر ذلك من ظواهر التناقض الثقافي، وفي غياب الشفافية وقابلية النقد، يصبح الظاهر عكس الواقع والتناقض بين الشعارات والوقائع أمرًا مألوفًا، بل لا يمكن تصور عكسه.

ففي الوقت الذي يتغزل فيه المجتمع بنصفه «الأنثوي» لا نرى أي فارق في التعامل بين الجنسين، بل تكاد لا تخلو معاملة المرأة من الحدية والعنف اللفظي والجسدي، فحوادث الاغتيال والتغييب «للمرأة» لا تزال تسجل دوريًّا في ليبيا، مثلما حدث لفريحة البركاوي، وسلوى بوقعيقيص، والنائبة سهام سرقيوة، والآن حنان البرعصي. فمن المنصف القول إن العنف السياسي حين يكون ضد المرأة يتخذ -في ظل الاستقطاب السياسي- عنفًا لفظيًّا واغتيالًا معنويًّا أشد وأفظع، مثل من يبرر بأن التحرش الذي تتعرض له المرأة بسب مظهرها المثير، نجد وبوفرة من يبرر تعرضها للعنف السياسي، بكونها غريبة عن المهام والمناصب، وأنها «ما كان يجب أن تتدخل في الشأن العام وأن تمارس دورًا سياسيًّا وأن توجد بين الرجال».. إلى آخر ذلك من التبريرات التي تزيد الذنب إجرامًا.

لنلاحظ هنا أننا نتحدث عن سيدات منتخبات وناشطات لهن دورهن الإيجابي وسمعتهن المعروفة محليًّا ودوليًّا، فإذا كان تغييب عضوة برلمان منتخبة، يمر مرور الكرام، دون تنديد دولي حقيقي ومؤثر، ودون توقع الفاعلين لعواقب وخيمة، فكيف يمكن تصور مصير الناشطات من النساء، والصحفيات، وأعضاء جمعيات ومنتديات المجتمع المدني فيما إذا تعرضن لتهديد ولو عابر؟

فالرسالة الوحيدة التي ستصل للجميع، أن كونك «امرأة» لم يعد يعطيك أي حصانة أمام العنف، وأن هذا الكائن، الذي تدبج لأجله قصائد الكرامة في مجتمع من المجتمعات ويجعلونه لصيقًا، بل معبرًا عن الشرف، يمكن أن يهان، ويسحق، ويغتصب ويقتل على الملأ في مجتمع آخر دون أي اكتراث ممن يملكون زمام الموقف.

فالواقع بعيد كل البعد عما يرفع من شعارات وهمية وخطب رنانة، فالمرأة في مجتمعنا شرف لا يتشرف به أحد. هذه هي الحقيقة السافرة التي لا يمكن أن يخفيها من يتشدق بصون المرأة باعتبارها قيمة شرف ويزايد بدعمها وتمكينها لتحقيق مكاسب سياسية، حتى وصل الأمر إلى توظيف ما تتعرض له المرأة من جرائم في معاركه السياسية. فكم من مقاطع مرئية مؤثرة عن حالات عنف واغتصاب لنساء نشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهن يصرخن، حتى سجلت الذاكرة قسوة وفظاعة صراخ إحداهن «ما عندكمش ولايا؟؟!!».

إن ارتكاب هذه الجرائم واستغلال نشرها من قبل الخصوم السياسيين يعكس مدى كراهية جزء كبير من المجتمع عمومًا للمرأة وظهورها في المشهد العام، فقد باتت المرأة وسيلة ابتزاز سياسي واجتماعي كعلامة يمكن لأي محلل نفسى واجتماعي أن يستقي منها مدى كراهية المجتمع لمبدأ خروج المرأة، ناهيك بمشاركتها السياسية، بل وقيادتها.

قدرنا نحن نساء ليبيا أن نكون نصف ذلك المجتمع.. رحم الله من سبق فريحة وسلوى وسهام وحنان، ومن سيلحق بهن من النساء، فمعاركهن لم تنتهِ بعد.