Atwasat

تقاطع المصلحة الليبية مع الإرادة الدولية

آمنة القلفاط الأربعاء 11 نوفمبر 2020, 10:37 مساء
آمنة القلفاط

تشرف بعثة الأمم المتحدة في ليبيا على رعاية الحوار السياسي الليبي في خطوة تبدو جادة نحو إنهاء الانقسام، ووضع حد للحرب الأهلية التي طال أمدها في البلد الذي أنهكته الحروب والأوضاع المعيشية الخانقة التي يعاني منها المواطن.

وقَّع الحضور البالع عددهم 75 شخصًا من مختلف أطياف الشعب الليبي على تعهد بعدم تقلد المناصب التنفيذية في الحكومة المزمع تشكيلها في الفترة الانتقالية المقبلة، مما يدل على إصرار البعثة الأممية على إيجاد حل للأزمة الليبية. كما قدمت البعثة الأممية الضمان الدولي لتنفيذ مخرجات الحوار على أرض الواقع، مما يعزز من فرص نجاح الحوار المنعقد خلال هذه الأيام في الجارة تونس.

جاء موعد بدء الحوار المنعقد اليوم في تونس بعد إتمام مراحل لقاء غدامس، الذي بدأ باقتراح برلين لمجموعة «5+5»، الذي تحول بعد الاتفاق بشأنه إلى مجموعة «العشرة»، التي توافقت على وضع حد للحرب الأهلية والبدء في تكوين المؤسسات الأمنية الموحدة، وتخليص البلاد من المرتزقة ووضع حد للتدخل الخارجي في تزكية الصراع الدموي بين الأطراف الليبية المتصارعة. السيدة ستيفاني تبدو ملتزمة ومدركة ومصممة على إنجاح مساعي الحوارات المتعددة، الذي جاء لقاء تونس كتتويج لها، في رغبة لإدماج مؤسسات الدولة المتهالكة والمتصدعة والمفصولة عن دورها في خدمة المواطن وتحقيق الهدف الذي جُعلت من أجله.

بنظرة موسعة ومحايدة نحو الواقع الليبي على الأرض، نجد أن كل طرف من الأطراف المتصارعة في هذه الحرب الأهلية حاول، بالسلاح وباستعمال كل الوسائل، فرض إرادته والقضاء على غريمه. لم ينجح أي طرف في السيطرة على المشهد الليبي رغم دعم وتشجيع أطراف دولية متعددة لطرف على آخر. فالصراع الليبي سمح للطامعين بالتدخل وإذكاء الصراع وفرض أجندتهم في ليبيا على حساب المواطن الليبي الذي تعطلت حياته وسرقت مقدراته نتيجة الفوضى التي عمت البلاد.

خاضت دول عديدة حول العالم حروبًا أهلية طويلة حصدت أرواح الأبرياء وعاثت فسادًا في مقدرات أمم وبمعية وإشراف تيارات اختلفت حول الأحقية في السيطرة والنفوذ. لم تتمكن هذه الدول من إطفاء لهيب الحرب الأهلية، والتطلع للأمام دون تدخل حازم من الأمم المتحدة بأشكال مختلفة- روندا، كمبوديا، ليبيريا كأمثلة- في حين فشلت دول أخرى اكتوت بنار الحرب الأهلية ولم تتمكن من إيجاد صيغ تفاهم على أسس سليمة وضمانات دولية داعمة دون الأمم المتحدةـ لبنان والعراق كمثال.

تبدو خارطة الطريق التي جاءت بعد سنوات عجاف مرت على المواطن الليبي، بادرة طيبة، خاصة وأننا سنجد أنفسنا، لو فشلت لا قدر الله، تحت الوصاية المباشرة. فالوضع المتردي والانقسام السياسي الحاد الذي تعاني منه البلاد، من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إيجاد حلحلة ممكنة له دون مساعدة دولية كالتي نحن بصددها اليوم.

للمراقب للأحداث وللأطراف المحلية المحايدة دور في تشجيع الحوار والقبول بشخصياته ومخرجاته ومتابعتهم دون التقليل من قدراتهم والتشكيك في كيفية اختيارهم، هذا إذا تم الالتزام بمخرجات الحوار وفق الجدول الزمني الموضوع له، الذي يأخذ في أولى اعتباراته حاجات المواطن الأساسية والبدء في إجراءات ملموسة لتغيير وحلحلة الوضع الأمني المربك.

الفرق بين ما يجري الاتفاق حوله في الحوار السياسي الليبي في تونس اليوم، وما جرى من حوارات سياسية ليبية بإشراف دولي سابقة، هو حزمة البنود التي أعلنت عنها السيدة ستيفاني، وهي أن تنفيذ مخرجات الحوار سيكون بإشراف الأمم المتحدة، مع ردع معرقلي نتائج الحوار. لأول مرة تبدو عصا العقوبات، جاهزة ولا مجال أمام الأضداد في الوطن الواحد سوى النظر للأمام وتغليب الصالح العام.

التغير الملاحظ في دور بعثة الأمم المتحدة جاء بعد انعقاد مجلس الأمن في منتصف شهر سبتمبر هذه السنة في موعد تجديد دور البعثة الأممية في ليبيا. نص قرار مجلس الأمن على أن يتولى قيادة البعثة في ليبيا مبعوث خاص للأمين العام، وأن يكون هناك منسق عن العمليات والإدارة اليومية للبعثة. كما حدد القرار أولويات البعثة الأممية وفي مقدمتها مواصلة تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي وتعزيز عملية سياسية شاملة مع تقديم الدعم الشامل للعملية الانتقالية الليبية الجديدة، بما فيها العملية الدستورية وتنظيم الانتخابات ورصد انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي والإبلاغ عنها، على أن تكون النتائج واضحة في يوليو السنة القادمة.

يبدو الأمر وكأن ناقوس التدخل الأوسع للمجتمع الدولي في ليبيا قادم، في حال فشلت المحاولة الراهنة، بشكل يفقد ماء الوجه لكل من شارك في بناء الدولة الليبية خلال العقد المنصرم. كما ينذر بالتحول السريع لدور الأمم المتحدة بشأن وضع ليبيا تحت الوصاية الدولية، مما يعيدنا، لا سمح الله، إلى ما يشبه وضعنا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي لولا لطف الله وسقوط مشروع بيفن - سفورزا والقرار التاريخي في الحادي والعشرين من نوفمبر 1949 الذي مهد للاستقلال وإعلان قيام الدولة الليبية في الرابع والعشرين من ديسمبر العام 1951 لدخلنا المتاهة القريبة مما نحن فيه الآن.