Atwasat

جو كمالا ليبيا

أحمد الفيتوري الثلاثاء 10 نوفمبر 2020, 12:42 صباحا
أحمد الفيتوري

فشلت هيلاري كلينتون، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016م، فكان من أسباب فشلها إيميلها والمسألة الليبية، خاصة مدينة بنغازي، ما اغتيل فيها السفير الأميركي كريس استيفنز 11سبتمبر 2012م، لكن فوز خصمها دونالد ترمب، أرجعته هيلاري وحزبها وكثيرون، إلى نجاح روسيا في اللعب بالانتخابات الأمريكية، بتوظيف إمكانياتها الإلكترونية.

لقد بدا أن نجاح الرئيس الخامس والأربعين، دونالد ترامب رجل الأعمال، المذيع السابق، رجل الاستعراض، مرجعه الشعبوية، وفي الأساس ترجيح الدور الخارجي، ومن هذا اتضح عوار الدولة الكبرى، فقد أجج الرئيس الفائز الانقسام المجتمعي الأميركي، ومن هذا الحدث بدا أن الولايات المتحدة في حالة لا توازن، حتى إنها عادت إلى أجواء الحرب الباردة، وقد دخلت في خصومة مع حلفائها.
انتخابات 2020 الاستثنائية على كل مستوى، كان ما تقدم أرضيتها، ومنه كان استثنائية هذه الانتخابات، إلى درجة أن الرئيس المنتخب جو بايدن، سيتحدث عما حصل من اهتزاز للهوية الأمريكية، التي أصاب زلزال ترامب أسها الديمقراطي.

قال بايدن: "فلتبدأ هذه الحقبة القاتمة من الشيطنة في أمريكا، على الانتهاء من هنا والآن"، ثم قال: "حان الوقت لمداواة جراح أمريكا"، وقال أيضا: "سأعمل ضد تقسيم البلاد وأتعهد بتوحيدها"، كما تحدث عن استعادة "روح أمريكا"، استعادة الديمقراطية، هكذا كان تقييم الرئيس المنتخب، في خطاب الفوز، للمرحلة الترامبية.

ما وضح أن ليس ثمة مجتمع بشري، موحدا ومتماسكا وغير قابل للتفكك، وأنه كما أن هناك حربا باردة، هناك حرب أهلية باردة، بأن يتحول الخصوم السياسيون إلى أعداء، فحينها يكون كل من ليس معك ضدك.
وقد كانت السيدة كامالا هاريس، نائبة الرئيس المنتخبة، قد وكدت في كلمتها على: "أن الديمقراطية في الولايات المتحدة، تحتاج إلى القتال لحمايتها، وإلى الكفاح والتضحية من أجلها"، وقالت: "أن الديمقراطية، كانت محل استفتاء في هذه الانتخابات"، التي تجاوز المشاركون فيها المئة والخمسين مليونا، مما لم يحدث منذ سنة 1900م، مشيدة بذلك: "إنهم، منحوا فجرا جديدا للولايات المتحدة"، مضيفة "لقد حميتم نزاهة ديمقراطيتنا، بفضل مشاركتكم القياسية"، موكدة على "إعادة الوحدة لبلدنا".

وهذا مما يعني أن الديمقراطية الأمريكية، التي عمرها من عمرالدولة (1776م)، ليست عملا ناجزا وصلبا ومنزها، لكن هي في ديمومة ديناميكية، فهي كما الاستقلال المحافظة عليها أصعب من نيلها، أو كما نقل عن الملك إدريس السنوسي مخاطبا ليبيا: أن المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله. وللأسف فقد رُكز فقط، على كلمة السيدة هاريس، باعتبارها أول إمرأة تحوز منصب نائب الرئيس، في تاريخ الولايات المتحدة، وهذا حقا كان إنجازا أمريكيا كبيرا ولكن متأخرا، حيث استغرق النضال لأجله ما تجاوز القرنين.

ولم تبين الانتخابات الأمريكية 2020 فحسب، ما تواجهه الديمقراطية، وما تواجهه الولايات المتحدة من انقسام وتهديد للسلم المجتمعي، لكن بينت أيضا، أن ما يتهددها كدولة كبرى، هو ما يتهدد كل دول العالم، كمشكل بنيوي في كيان الدولة القومية، خاصة في الدولة القومية، المتعددة الاثنيات وما يشيع فيها الروح العنصرية.

كذلك فإنها بينت أن المشترك البشري قوي، رغم تعدد المجتمعات وتصنيفاتها، ولعل من طرافة ذلك، ما جاء في مقالة "محمد طاهر" بالاندبندت العربية، خلال الفترة القريبة الماضية: "ومن بين أكثر الأمور إثارة للسخرية، فيديو للقسيسة بولا وايت-كاين مستشارة ترمب للشؤون الروحية، وهي تتضرع إلى الله لكي "ينصر ترمب على أعدائه" خلال بث مباشر عبر صفحتها على "فيسبوك"، تزامناً مع بدء إعلان نتائج الانتخابات. وقد تبادل مستخدمون على مواقع التواصل مقتطفات من الصلاة، وعبروا عن ذهولهم من أسلوب كاين ومضمون صلاتها، إذ ظهرت وهي تردد بصوت عال وبإيقاع متسارع وحازم، "أسمع صوت هطول المطر، أسمع صوت النصر، أسمع صوت صراخ وغناء، أسمع صوت النصر، النصر، النصر، النصر الآن في زوايا الجنة، الله يقول إن الأمر قد تم".

إن الانتخابات، في دولة كبرى كالولايات المتحدة خاصة، تلقى الصدى الأكبر في العالم، وانتخابات 2020، الاستثناء الأكبر عن كل الانتخابات السابقة. وذلك لأن هذه الدولة سرة الدول وبطن العالم، الذي ثقافته أمريكية في الدول المماثلة، أو في الدول التي روحها دين الشيوعية أو الشيعية.

وقبل الأقوى لابد من معرفة ما يحدث في حاله أبينا أو شئنا. وإن شئنا فالدروس من الكبير كبيرة، فإن صابته الجائحة مثلنا، فإن ما يفعله لمواجهتها بقدرة القوي، سيفيدنا في المحصلة عند نجاحه في ذلك، كذلك فإن ما رصدناه في مقالنا هذا، يبين أن ثمة عجزا مشتركا بين الصغير والكبير، لأنه عجز بنيوي في الدول، وأن التصدي له من الصغير كما الكبير، لا يكون إلا بالشغل الدؤوب، فالديمقراطية مثلا والمحافظة على وحدة البلاد وقوتها، عند كل الدول عمل يومي وفعل حثيت، وليس المن والسلوى المنزلة من السماء.

أمريكا 2020، في منزلة كل الدول، كيانها وهويتها، كما نظامها وقوتها، في منزلة كل الوقت: تكون أو لا تكون، حسبما قول هاملت/ شكسبير.