Atwasat

العام 2020 متى سيولينا ظهره؟

جمعة بوكليب الخميس 05 نوفمبر 2020, 01:23 صباحا
جمعة بوكليب

لو أن الكاتب المرحوم أنيس منصور على قيد الحياة، لتوقع أن تكون سنة 2020 ، لكثرة ما أحضرت للبشر من مصائب وغرائب، سنة هبوط كائناته الغرائبية من السماء إلى الأرض. ذلك أن الكاتب المرحوم قضى جزءاً غير قصير من حياته متتبعاً وراصداً ومحقققاً لقصص وحكايات وتقارير، صادرة بلغات عديدة، في مختلف بلدان العالم، عن كائنات من كواكب أخرى شوهدت على الأرض، أطلقَ عليهم اسم «الذين هبطوا من السماء»، وكتب ونشر مئات المقالات حولهم، ثم جمعها وأصدرها في كتاب كبير الحجم. وحين جاء في أوائل السبعينات من القرن الماضي إلى ليبيا، وزار طرابلس، ألقى محاضرة طويلة عن تلك الكائنات الخارجية، وكنت بين الحضور، الذين امتلات بهم صالة المحاضرات في المركز الثقافي العربي بمدينة طرابلس. ورغم صغر سني، وقصر مداركي، ظللت منصتاً له باهتمام لأكثر من ساعة، وغير مصدق لكلمة واحدة مما كان يجهد نفسه في شرحه وتوضيحه لإقناع الحاضرين. ولربما كنت صدقته لو أن تلك المحاضرة كانت في العام 2020.

وللأسف، أنيس منصور انتقل إلى رحمة الله، ولو أمد الله في عمره، وظل حياً بيننا يشاركنا تجرع ويلات الوباء الفيروسي وغيره، مما أحضره العام 2020 في جرابه من أوجاع، لكان الآن جالسًا في شرفة منزله بالقاهرة، منتظراً وآملًا في صول كائناته الغريبة لمشاركتنا الحياة على كوكبنا الأرضي، ولربما شعر بكثير من الرضا والامتنان لعدم ضياع جهوده.

الحسنة الوحيدة، التي لا يمكن نسيانها للعام 2020، ونعمنا بها في ليبيا، هي توقف الحرب، والحمد لله، على طرابلس بعد أكثر من عام، واتفاق الطرفين المتنازعين على وقف نهائي لإطلاق النار في كل مناطق ليبيا، وبدء مرحلة التفاوض للخروج من النفق المظلم.

الإغلاق العام الأول، الذي سببه الفيروس الوبائي، تم في بداية فصل الربيع، وانتهى خلال الأسبوع الثاني من شهر مايو. وكان فصلاً دافئاً مشمساً حانياً، ساعدنا على تحمل ما وضعه الإغلاق على النفوس من ضغوط نفسية وغيرها. وها نحن، الآن، في بداية شهر نوفمبر، نستعد لتوديع فصل الخريف، ونتأهب لمواجهة، وليس استقبال، فصل شتاء قادم، مسبوق بهجوم وبائي آخر. حكومات العالم، على اختلافها، بدأت، واحدة إثر أخرى، تدخل الميدان لمواجهة الموجة الثانية من الوباء بإجراءات واحترازات وقائية مفروضة رسمياً، غاية في الصعوبة على المواطنين. الإغلاق العام خلال هذه الموجة الوبائية، الذي لجأت إليه معظمها، لن يكون كسابقه. ذلك أن شدة المقاومة والصبر والعزم، التي أظهرها الناس والحكومات في المرة السابقة، تسرب إليها، بمرور الوقت، الوهن والإجهاد والإرهاق، مضافاً إليهك تزايد جرعات الخوف في النفوس من تأثيرات الإغلاق للمرة الثانية،على المصائر المعاشية والمعيشية، آخذين في الاعتبار تزايد أعداد العاطلين عن العمل، وتفاقم المشاكل الاجتماعية الناجمة عن ذلك، إلى جانب عدم قدرة الحكومات، كما في السابق، على تقديم المساعدات المالية اللازمة لمواجهة الأزمة، سواء للأفراد المسرحين من العمل، أو للتجار وأصحاب الأعمال الصغيرة، أو للشركات. المختبرات العلمية المتخصصة في صناعة الأمصال، رغم جهودها، لم تتمكن بعد من الوصول إلى مصل واقٍ. وما يجرى من تجارب في العديد منها، لم تصل بعد مرحلة الاستخدام البشري، في حين أن أنصال برد الشتاء بدأ بريقها في الالتماع، وليس أمام الخائفين من الناس سوى العودة للاحتماء بجدران البيوت، والدعاء لمَن استطاع إليه سبيلاً.

هناك، أيضاً، معضلة الانتخابات الرئاسية الأميركية، والخوف، في معظم دول العالم، من حدوث انقلاب في اتاجه سير الرياح، في آخر اللحظات، ضد المرشح الديمقراطي جو بايدن، وبالتالي، عودة الرئيس ترامب إلى الحكم أربع سنوات أخرى. وهو خوف مبرر جداً، لأن العالم من خلال مرارة تجربة السنوات الأربع الماضية، يدرك أن تلك العودة غير الحميدة ولا المرغوبة للرئيس ترامب سوف تزيد من تفاقم صعوبات الحياة على الكرة الأرضية، وستزيد من صعوبة إعادة دوران عجلاتها في سياق دولي يقترب بها من دوائر التفاهم والتعاون، ويبتعد بها عن ميادين المنافسة والمواجهة بكافة أشكالها.

لو كان في الإمكان، كما في قصص الخيال العلمي، التسابق مع الزمن، لكنت عدوت بكل ما تبقى في أنفاسي من جهد، وما في قلبي من حب للحياة، نحو العام 2021، هرباً من العيش فيما تبقى من أيام وأسابيع في العام 2020. لكن آلة الزمن لا تقارع، ولا تهزم، ولا تتعاطف مع البشر. لذلك، ليس لي ولغيري، ممن ضاقت بهم السبل والحيل، سوى الاعتصام بما تبقى في نفوسهم من صبر وعزم، حتى يوليهم عام المصائب هذا ظهره من دون رجعة، وغير مأسوف على رحيله.