Atwasat

الحرب والصناعة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 01 نوفمبر 2020, 11:10 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

نفرق، لأغراض هذا المقال، بين الاقتتال والحرب. إذ ندل باللفظة الأولى على الاحتراب بين الجماعات الصغيرة ما قبل نشوء الدول والإمبراطوريات. ونشير بالثانية إلى العمليات القتالية الواسعة، التي تشارك فيها جيوش هائلة العدد متراتبة القيادات وحسب خطة عسكرية موضوعة بعناية، التي تشنها الدول على بعضها. وبالمعنى الأخير تكون الحرب مصاحبة لنشوء الحضارات وتشكل إحدى روافعها المهمة. فإلى جانب إسهامها في التلاقح والتفاعل الثقافي والحضاري، أسهمت في تطور الصناعة، بداية من الخوذ الواقية والسيوف والدروع، إلى السفن والغواصات والطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية ذات المهمات التجسسية إلخ.

كما أن هناك تنافذا بين الصناعات المدنية وتطور المؤسسة العسكرية (= المؤسسة الحربية). إذ تستفيد المؤسسة العسكرية من بعض المخترعات ذات الأغراض المدنية من مثل القدور الكاتمة التي استفيد منها في معسكرات الجيش. وكذلك السيارات والشاحنات والقطارات التي استخدمت في نقل الجنود

من ناحية أخرى، تطور الصناعاتُ العسكرية الصناعاتِ المدنية وتضيف بعدا جديدا إلى التقنية المفيدة حضاريا. فالأقمار الصناعية التي كانت مقتصرة على التجسس أصبحت تستخدم أيضا في المسح الجغرافي واكتشاف الثروات الطبيعية، وكذلك في الاتصالات والبث المسموع والمرئي.

يسرد* ميشو كاكو كيف أنه عقب إطلاق الاتحاد السوفياتي أول قمر صناعي سنة 1957 في مدار حول الأرض، مفتتحا بذلك عصر الفضاء، أسس الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (Darba) التابعة للبنتاغون، بهدف منافسة السوفيات في هذا المجال الجديد. وكانت هذه الوكالة وراء بعض أهم التقنيات في القرن العشرين، وهي التي أسست وكالة ناسا المتخصصة في بحوث وتقنيات الفضاء. وكانت آربانت (Arpanet) أحد مشاريعها الأولية في ستينيات القرن الماضي، المتمثلة في شبكة اتصالات لاسلكية لوصل العلماء والموظفين إلكترونيا خلال الحرب العالمية الثالثة

ظلت أعمال هذه الوكالة طي الكتمان حتى سنة 1989، مع تفكك الاتحاد السوفياتي، حيث ارتئي أن إخفاءها لم يعد ضروريا وينبغي الكشف عنها. فأصبحت الآربانت هي الانترنت! وأصبح جهاز رصد مواقع الصواريخ السوفياتية، لضربها حال قيام حرب نووية، جهاز GPS الذي يرشد السائقين إلى الأماكن التي يقصدونها ولا يعرفون كيفية الوصول إليها

هذه الوكالة كانت أيضا وراء اختراعات في غاية الأهمية مثل الهواتف النقالة ونظرات الرؤية الليلية وأقمار رصد الطقس

* ميشو كاكو، مستقبل العقل: الاجتهاد العلمي لفهم العقل وتطويره وتقويته، ترجمة: سعد الدين خرفان، عالم المعرفة، 2017. ص 94- 95