Atwasat

الليلة المشرقة

سالم الكبتي الأربعاء 28 أكتوبر 2020, 11:07 صباحا
سالم الكبتي

(ولد الهدى فالكائنات ضياء..)

تتوهج القناديل. تتلون الأزقة وكل الرحاب المجاورة والبعيدة بأطياف النور. يغدو كل شيء مبهجا وجميلا عبر الظلام الذي يتبدد ويتلاشى وينهار أمام الليلة المشرقة.. وتظل عيون الأطفال تضئ.

عيون الأطفال هي أيضا قناديل من الفرح تلك الليلة. فيها شعاع من الوهج العفوي الذي يلمع ويتقد بلا انطفاء حتى الصباح. ويرنو الكبار إلى ذكرياتهم السابقة. يقرؤون البغدادي وتعلو حكاياتهم القديمة والجديدة.

(هذا قنديل .. وقنديل) يستمر النداء والهتاف. ويتواصل السرور. ينقشع الظلام في الليلة الثانية عشر ويطل القمر عاليا في سمائه.

هذه ليلة ليست مثل بقية الليالي. هناك ليلة القدر. هناك ليالي رمضان. هناك ليالي الأعياد. هناك العديد من المواسم والليالي. لكن هذه الليلة كانت فاصلة وعظيمة في تاريخ البشرية. ولد منقذ البشر والهادي إلى سواء السبيل.

أخرجهم من الظلمات إلى النور الساطع. من الجهل والتعصب إلى التسامح والتراحم. ختم الرسالات وأنقذ البشرية. محمد بن عبدالله عليه السلام النبي والرسول. لم يتعصب لقومه. لقبيلته. لعشيرته. لصحبه. كان للبشرية جميعا. كان بشرا رسولا. وجد قومه في ضلالات الجاهلية والتخلف. اعتزلهم في الغار ومايعبدون. ودعا ربه لهم بالهداية. كانوا يسجدون للأصنام والأوثان في أنحاء الجزيرة المترامية الأطراف. يردمون بناتهم خشية العار.

يثأرون. يتعصبون لقبائلهم. يتقاتلون. يتحاربون. يغزون ويفتخرون بكل المثالب وإن تقدمت عندهم بعض القيم والفضائل مثل الشهامة والنجدة. لكن الأخلاق ظلت عموما في بقاع سفلية من الحياة. عندما تسقط الأخلاق تنهار حياة البشر وتسقط الحضارات. الأخلاق الرديئة السيئة لابد أن تنقلها الرسالات والفضائل إلى أخلاق أخرى أكثر سموا ورفعة وتحضرا ورقيا.

الأمم والجماعات لكي تعيش وتنهض ينبغي أن يسود بينها العدل والحق والأخلاق العالية. هكذا يتكامل البشر ويرتقون فوق مستوى الحيوانات. يصلون إلى قمة العقل والفكر والعمل والتضحية. للبشر رسالة ينبغي أن تؤدى في الحياة وإلا فلا قيمة للبشر والحياة. تلك ما قامت به الرسالات السماوية العظيمة التي رفعت من معنى الحياة البشرية. لا مكانة للعبودية ولديكتاتورية الأصنام والأوثان والنيران والنجوم وكل التفاهات. لابد أن يكون الأنسان إنسانا يتكامل مع غيره من أجل إعمار الدنيا وعدم قهر الغير وظلمهم. ولافضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. تلك رسالة الحياة وغيرها فباطل وسخيف.

(هذا قنديل وقنديل).. كانت تتوهج تلك القناديل في الأزقة الترابية. ويسود الابتهاج. ويعلو القمر في سمائه في الليلة الثانية عشر. فرحا بمولد الرسول الكريم الذي نهض بالرسالة وساوى بين البشر وألغى الفوارق والمظالم بينهم. لم يكن لأحد. كان للبشرية جميعا. والليالي القديمة أضحت قديمة. لم تعد تتجدد. وضعت الفلسفة المقيتة من البشر أمامها الحواجز والمنع والحظر. فلسفة قتل البهجة والمحبة والتراحم. فلسفة تسئ لصاحب الرسالة الهادي بالحكمة والعقل إلى سواء السبيل. تسئ إساءة أكثر مما يسئ الآخرون الذين نحملهم عارنا.. وحقدنا.. لهم أخطاؤهم وكوارثهم التي أساءت لنا. لكننا في الأصل فتحنا لهم الطريق واسعا لكي يلجوا منه إلى تحقيق الكثير من الأساءات والإهانات لعقيدتنا ورسولنا الكريم. (من يهن يسهل الهوان عليه). نحن بدأنا الكوارث وعلينا تحمل النتائج. وتغيير فلسفتنا وتحطيم الأصنام والأوثان التي في عقولنا وقلوبنا. النبي محمد عليه السلام أكبر من الإساءات. وأعظم من فلسفة البشر وفتاواهم المخزية. فمن يشعل القناديل من جديد؟

.. وياسيدي يارسول الله. لقد حطمت الأصنام والأوثان لكنها في الحقب الجديدة مازالت تعيش في حياتنا. أصنام الجهل والتخلف والتعصب والقهر. وماتزال أمتك تقدسها وتعبدها من دون الله وتجثو على ركبتيها تحت الظلام.
وياسيدي يارسول الله.. في ليلة مولدك التي لم تعد مبهجة.. عليك صلاة الله وسلامه.