Atwasat

حروب السلام الليبية النكهة!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 27 أكتوبر 2020, 10:35 صباحا
أحمد الفيتوري

(1)
ليبيا ثوب في حجم الصحراء الكبرى، كل من لبسه يتخبط فيه، هذا ما خطر في بالي، عقب لقائي لليبي في بلد عربي ، دعاني لمقابلته بمقهى، أيام ثورة فبراير، حين وصلت وجدته متخذا مكانا للجلسة، في آخر المقهي، فمستندا إلى الحائط الأخير. لعله لاحظ دهشتي حيث سبق حديثنا بمثل ليبي: "اللي يحسب النقص ايجي والحق سوا"، أو كما قال، لقد أراد الحساب الناقص احتياطا من أي طاريء ليس في الحسبان. وفي دخيلة النفس شكرته، فلقد فسر لي لماذا عاش المعلم الأول معمر القذافي!، كالمرعوب الأول، في البلاد التي حكمها لعقود بالرعب المطلق!.

تذكرت واقعتي هذه، أثناء متابعة عبر محطة تلفزيونية، التوقيع على اتفاق جنيف، صباح الجمعة 23 أكتوبر الجاري، وفي الأثناء، ورد خبر في شريط المحطة، أن أردوغان الزعيم المطلق صرح: أن الاتفاق الجاري التوقيع عليه لا يُتوقع له نجاح، ما بَيّن أن الزعيم التركي الأوحد وقائد الأمة، على علم ومُطلع على البيان الختامي، للقاء 5+5 العسكري الليبي بجنيف. وفي لمحة أيضا، مر بخاطري لقاء باريس الأول، عندما وقع الرئيس فائز السراج، ناتج اتفاق الصخيرات، على اتفاق باريس، التي منها وقبل أن يجف الحبر، سافر إلى روما، ما فُسر عندئذ بأن التوقيع حبر على ورق.

تأسيسا على ذلك، مُحللو المسألة الليبية من الطرفين، انطلقوا لبيان عوار اتفاق جنيف، وهم بهذا دُمى صوتية، للأطراف الليبية الغارقة في وحل الصحراء الليبية الكبرى، من هم لا حول لهم ولا طاقة، حيث في صفتهم الاعتبارية والشخصية، صرحوا بتأييد مُطلق للاتفاق، الذي وقعوا عليه بالأحرف الأولي أو كما يقال.

هذه وقائع ردود الأفعال، لصهد وقائع الاتفاق، ما تم كما شاهد كل شاهد، في صورة قوية وفي سلاسة الواثق، من قبل قائدة المسار والسياق السيدة ستيفاني وليامز الأمريكية، رئيسة بعثة الإمم المتحدة للدعم في ليبيا، "بالإنابة" غصبا من قبل بلادها، التي رفضت تعيين خليفة للرئيس المستقيل اللبناني سلامة!، من بادر عاجلا مؤيدا لاتفاق جنيف، كما فعلت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وكل الدول غير المتحدة!، حتى أن الاتحاد الأوروبي غير المتحد، اعتبر الاتفاق نبأً سارا.

(2)
ليبيا ثوب في حجم الصحراء الكبرى، كل من لبسه يتخبط فيه، هذا ما خطر في بالي، عند متابعة وقائع توقيع الاتفاق، ثم المؤتمر الصحفي لسيدة التوقيع الأمريكية، ما جاء على عجل وفي صورة مرتبكة، لصد ردود أفعال متوقعة كما يبدو. ولقد شعرت كمتابع، أن البلاد التي تدور حولها الدوائر، بلادي الصغيرة، أكبر مما يلزم، عند كل طرف تهُمهُ الجغرافيا، ويثقله التاريخ الذي تنتجه.

فالحاصل الساعة، لمن يتابعه بدقة، أن الرخ الذي يجول في الرقعة، أمريكي الهوية والهوى، فالسفير الأمريكي يعد الطبخة، فيما المندوبة الأممية الأمريكية تطبخها، وعلى ذلك فالاتفاقات والملتقيات ليبية ليبية، وتختلف من حيث المسارعن سياق سابقاتها، وأن المحتوى تم جعله في متتاليات، حيث يجب الذي يجب، الأصغر فالصغير فالكبير فالأكبر، فإذا كان الخصوم يختصمون حول ورقة عمر المختار:"البنك الوطني"، ليكن "الصديق الكبير" هدفا أولَّ، وهكذا تُقسم كعكة فبراير المسمومة.

هذا التقسيم سيجعل بلع السلام ممكنا، وتكون حروب السلام الليبية النكهة، في شكل ردود أفعال على التفاصيل ليس إلا، فيكون لاعب رئيس كما "عقيلة صالح"، كما اللاعب الاحتياط، من استدعي لما "تداخلت الحكايات عند غياب الرواي"، حسب تعبير المسرحي الليبي منصور بوشناف. ومجمل هذا يبين أن المسألة الليبية، الآن على الطاولة كما مسألة محلية، بعد سحبها من الملعب الدولي بختامه مسك "برلين"، والحكم الدولي الرئيس، الدولة الكبرى، فالولايات المتحدة صاحبة ميراث في المسألة الليبية، عدوة أو صديقة أو هما معا، منذ تحرير ليبيا من براثن إيطاليا الفاشية.

كنت منذ بدء المسألة الليبية ما بعد فبراير، أعتقد أن هناك مشكلا بنيويا يخص ليبيا الجغرافيا، يجب استبعاده من على الطاولة، أي لابد من سلّ ليبيا من إقليمها ساعة المفاوضات، الإقليم الذي كل فرد فيه يعتقد أن ليبيا خاصته، فأحيانا وفي لاوعي البعض من حكامه، أن ليبيا بلاد بلا شعب!. ثم أن ليبيا كمسألة دولية عقد حلّ المشكل، وهذا دافع الدولة الكبرى/الولايات المتحدة، المتورطة في ليبيا رغم كل ادعاتها، إلى فرض حل اللا حل؟. فالوضع حسب تقدير سفير بريطاني سابق في ليبيا ما بعد فبراير، ليس حرجاً، ولا يُمثل وضعها أي خطر حالي أو في المنظور. وعليه تم استثمار ليبيا الحرب، كمصيدة فئران فيما سُمي بالحرب ضد الإرهاب الدولي، ما قائدته الولايات المتحدة، مما جعل تقريبا ليبيا المقر الرئيس لقائد الأفريكوم.

إذا خيوط اللعبة تُحرك لما يقرب العقد، من لاعب متخفٍ تحت ضوء الشمس، وسيناريو الفيلم أمريكي، عبر عنه الرئيس السابق أوباما، حين رمى بالنتائج على القادة الأوربيين غبّ قيام ثورة فبراير 2011م. وعلّ تداخل الخيوط وتشابكها، وصلت حد إعطاء الزعيم العثماني، الإذن بالتدخل في ليبيا، فالتدخل الروسي... وهكذا دواليك. ما يعني أن المأذون من عقد هذا الزواج، بيده لا بيد عمر، الطلاق.