Atwasat

بضائع تالفة

جمعة بوكليب الخميس 22 أكتوبر 2020, 12:42 صباحا
جمعة بوكليب

ليس مهماً المكان ولا الزمان. وليست مهمة الأسماء والعناوين. وبالتأكيد لا علاقة لكل ذلك بتتابع وتغيّر الفصول، ودوران عجلة الزمن. لكنك، سواء أكنت متسوقاً في أسواق عصرية حديثة جميلة ومُعتنى بها، يتكلم الزبائن فيها همساً، ويتحركون آليا كروبوتات، بعيون مفتوحة معلقة في الأرفف، يعاينون بضائع وسلعاً، ويفاضلون بين مختلف أنواعها، أو في أسواق بلدية، شعبية، يكثر فيها الصياح، والشجار، وتتعالى فيها حناجر الباعة وتحتدُ لتلفت أنظار زبائن - في مستوى معيشي أقل- إلى ما يعرضون من بضائع، وما يبيعون من سلع، فإن المرء، لن يكون في منجى، من الوقوع في فخ شراء واقتناء بضائع وسلع تالفة، أو معطوبة، أو منتهية الصلاحية.

البضائع والسلع التالفة (Damaged Goods) تتوفر في مختلف الأسواق، وبنسب مختلفة، طبيعياً. لكن كلما كانت السوق حديثة، وعصرية قلتْ نسبة التالف، والعكس صحيح. وهذا بدوره يتوقف كذلك على جنسية البلد، وموقعه على خريطة العالم. فسوبرماركت حديث في بوجمبورة، مثلاً، أو في طرابلس الغرب، قد لا يكون بجودة آخر في كوبنهاجن، والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الأسواق الشعبية. إذ كلما انعدمت الرقابة الصحّية، وانتشرت الرشوة، وغاب القانون، وساد الفساد، ارتفعت تلقائياً نسبة الغشّ في البضائع والسلع، وعلى المستهلكين تحمّل العواقب ودفع الأثمان.

ما يقابله المرءُ من تفاوت في مستويات الأسواق، وجودة ما تعرضه من بضائع، ليس موضوعاً لخلاف بين عاقلين، ولامحل له في نقاش عام. لكن في هذا العالم الواسع، وفي هذه الدنيا العجيبة، لامفرّ للبشر من التعامل مع الواقع الذي يعيشون فيه ببراجماتية يتعلمونها من خلال التعود عليها بمرور الأيام، ومن خلال مختلف التجارب. فالواحد منّا، ومن دون أن يدري، قد يدفع أموالاً لقاء بضائع وسلعٍ تالفة من دون علم. لأن حسن النيّة يمنح فرصة للباعة لتمرير ما لديهم من بضائع يعرفون أنها تالفة، وغير صالحة للاستعمال البشري، إرضاءً لجشع في نفوسهم، بغرض تحقيق ربح مادي ومعنوي: الأول في الفوز بمال لا يستحقونه، وفي الثاني إثبات لفهلوة ولشطارة أجادوهاعبر السنين في غش الآخرين والضحك على الذقون. لكن هذة حال الدنيا، وتلك أحوال ناسها، وليس من الممكن تغييرها أو تغييرهم. فالواحد منّا، مهما يحاول أن يكون يقظاً ومنتبهاً وحريصاً، لابد له وأن يأتي يوم، يعود فيه إلى بيته محمّلا بأكياس مثقلة بسلع وبضائع تالفة، ولا ينتبه لذلك إلا بعد فوات الأوان.

البشر، أيضاً، ليسوا في حصانة من التلف. فما يسري على البضائع والسلع التالفة، يسري، أيضاً عليهم. إذ كما توجد بضائع وسلع تالفة يوجد، كذلك، بشر تالفون (Damaged) على كافة المستويات النفسية مثلاً، أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية. التالفون نفسياً، لا تستهدفهم هذه السطور، لأن مختصين وخبراء في علوم النفس وأحوالها أولى بهم، وبتشخيص أمراضهم، وبتوضيح وتفسير أحوالهم النفسية، وما سبّب لهم التلف، ووصف ما يناسبهم من أدوية وعلاج. وهم في حاجة ماسة إلى تعاطفنا، وإلى دعائنا، وليسوا محل احتجاج، أو شكوى، أو نقد.

هذه السطور، حقيقة، تستهدف أولاً وأخيراً، التالفين من أهل السياسة تحديداً. التلف في هذا السياق، يعني انعدام الكفاءة، وضمورالقدرة، وانعدام التجربة، وفساد الضمائر. فكما يتعرض المشترون إلى غش الباعة بشراء بضائع تالفة، يتعرض، كذلك، الناخبون إلى الغش، باختيارهم لساسة تالفين وتافهين. والأخيرون، ليسوا حكرا على بلد دون آخر، لكنهم موزعون في كافة دول العالم، وأغلبهم، عادة، في دول العالم الثالث، وخاصة منها التي رزئت بحكم العسكر، مثل ليبيا، والتي، يمكننا القول بدون إجحاف، أنها تعدّ في الفترة من عام 1969 إلى 2011 حالة نموذجية لنوعية من السياسيين – باستثناءات نادرة ومعروفة- المصابين بأسوأ أنواع التلف والعطب، من أعلى السلم إلى أسفل درجاته. وليس أسوأ منهم في التلف إلا من جاءوا بعدهم بقوة سبطانات البنادق والمدافع، واعتلوا المناصب، وظهور العباد والبلاد، فاستنزفوا ثرواتها، وأرهقوها بسرقاتهم، ورعونتهم، وفسادهم.

السلع التالفة، بمجرد أن تكتشف، تُرمى في صناديق القمامة، أو تُرد إلى الباعة، وفي أغلب الأحوال يكتفي من تعرضوا للغش ببلع الطعم، وبشتم من باعوهم السلع، ويتخلصون منها. والأمر نفسه، للأسف، لايطال أهل السياسة من التالفين لدى وصولهم إلى السلطة. أولاً لأنه ليس بمقدور الناخبين التخلص ممن منحوهم أصواتهم وثقتهم إلا بعد مرور فترة زمنية محددة دستورياً. وثانيا لأن الساسة التالفين قادرون، لأسباب عديدة، على مواصلة أداء أدوارهم، رغماً عن الروائح العطنة التي يفرزونها، وعن المصائب والكوارث التي يرتكبونها، لأنهم خلال فترة قصيرة من تسنمهم للمناصب الرفيعة يتحولون إلى وحوش مخيفة بأنياب وأظافر، تدور في مداراتهم وحوش أصغر، أكثر تلفا وعطباً، طمعاً فيما يلقونه إليهم من فتات، وما يمنحونه إياهم من حماية، وما يتحصلون عليه من ورائهم من نفوذ ومكانات اجتماعية لايستحقونها، تؤهلهم لابتزاز العباد، ونيل مالايستحقونه. وعلينا نحن، دائماً، دفع الأثمان.