Atwasat

صندوق هيلاري

أحمد الفيتوري الإثنين 19 أكتوبر 2020, 02:02 مساء
أحمد الفيتوري

أحمد الفيتوري

 

تدور نقاشات وتعليقات جمة، حول محتوى إيميلات، هيلاري كلينتون الديمقراطية، وزيرة الخارجية الأميركية في عهد أوباما، هذه الإيميلات التي أفرج عنها الرئيس الأميركي الجمهوري ترامب، في إطار حملته الانتخابية ضد خصمه بايدن الديمقراطي. لكن عندنا، تحولت الإيميلات إلى سلاح عند الخصوم، كل يستدل بها باعتبارها فاضحة، للتدخل الأميركي إلى جانب خصمه، والحقيقة أنه يتم تأويل الإيميلات، من كل طرف حسب غرضه، كما حصل قبل، مع مذكرات هيلاري كلينتون، التي نشرت منذ سنوات، ما قام البعض بتزوير ما جاء فيها.

بالنسبة لي وكثيرين غيري، ما جاء في الإيميلات، مثل ما جاء في المذكرات، منه ما معروف كمعلومات، ومنه ما يجيء تحت بند تحصيل حاصل. لكن الأهم ما يوكده هذا التحصل الحاصل، وهو أننا لسنا قراء بالأساس، ومن هذا لا نبحث وندرس، فالمذكرات والوثائق تتحول بين أيادينا، إلى مجرد مناسبة فضائحية وأدوات للتنابز. وعلّ هذا من ناحية أخرى، يكشف الحال السيكولوجي للقارئ العربي، المليء بالإحباط والهوان، أيا كان مستوى وموقع هذا القارئ، من نتحفظ على تسميته بالقارئ أساسا.

سآخذ نموذجًا لرد الفعل، ما انبثق عن الإيميلات الليبية، في إضبارة إيميلات هيلاري، التي كانت وزيرة خارجية عند قيام ثورة فبراير 2011م، وبالتالي امتلأ صندوق هيلاري، برسائل عدة تخص المسألة الليبية عندئذٍ، وطبعًا معلومات كثيرها في الحقيقة متداول وشائع، حتى ما يخص طرفًا أعتبر نفسي أختلف معه فكريًا وسياسيًا كـ«أخوان ليبيا»، وإن وردت معلومة مستجدة فمن المفترض أن تقرأ في سياقها الزمني والسياسي، لكن ما حدث أننا لم نستفد مما توفر، بل على العكس أهدرنا جهدًا ووقتًا في إثارة تفاصيل غير مجدية. لكن هذا أبرز أن المتوفر لدينا النجاح في الفشل، فالإيميلات تحولت إلى «صندوق بانادورا»، ما هو في الميثولوجيا الإغريقية       «صندوق يحمل بواسطة بانادورا، ويتضمن كل الشرور البشرية».

ولسنا في حاجة لفتح صندوق بختنا هذا، فخلال الألفية الثالثة، وخاصة في العقد الثاني من القرن الأول منها، ما نجنيه المزيد من الفشول، رغم كل الانتفاضات الشعبية، التي نحرص على أن نجعلها استيرادًا أجنبيًا، وأن نجعل من هيلاري كلينتون بطلة هذه الانتفاضات، ما سميت بالربيع العربي، وتقريبًا حتى ما عقبه أيضًا، مثل الانتفاضة الجزائرية والعراقية المستمرة حتى الساعة، فانتفاضة اللبنانيين التي تمر هذه الأيام الذكرى الأولى لها، وكذا الانتفاضة السودانية، ما خلقت حلحلة ما في مسار السلام، بعقد اتفاقيات لأجل إنهاء التحارب الأهلي.

نعم خلال زمننا هذا، ما جنيناه النجاح في الفشل، لكن هذا ليس بحاجة إلى صندوق هيلاري، لنتوكد من أنه بضاعة أميركية، أو لننفي ذلك، فنوكد أنها صناعة محلية، لسنا بحاجة للجدل البيزنطي حول البيضة والدجاجة، فحتى المنطق البيزنطي، وحتى صندوق هيلاري، وأي مستنبطات فكرية وسياسية، لا تستطيع أن تنفي، جدل الخارج والداخل في مجمل المتغيرات، سواء في سقوط إمبراطورية مثل الاتحاد السوفيتي، أو في انتشار جائحة كورونا... وهلم.

لن يضيف صندوق هيلاري شيئًا، إلى أننا مبتدأ في جملة النجاح في الفشل، لكن الخبر لنا شركاء فيه هم خصومنا، من يجنون من هذا الفشل، غير أن معرفة ذلك من نافلة القول، ولن يزودنا صندوق هيلاري بالخبر اليقين، فنحن نملك صناديق وليس صندوقًا واحدًا في الخصوص، لكن رغم أن زوادتنا في الخصوص هائلة، مازلنا عند النقطة، التي قيل أن رفاعة الطهطاوي رسول نهضتنا، قد أشار إليها باعتبارها الفارق بين «العرب والغرب».

 ويبدو وكأنه في هذا الإطار، تدور نقاشات وتعليقات جمة، حول محتوى إيميلات، هيلاري كلينتون الديمقراطية، حيث إن صندوق باندورا يتضمن كل الشرور، وعلينا في كل مرة، وكل كرة أن نبدأ الحكاية كما شهرزاد: «كان يا ما كان»...