Atwasat

كلينتون وقصة الذهب وسقوط القذافي

محمود محمد خلف الجمعة 16 أكتوبر 2020, 07:05 مساء
محمود محمد خلف

ما مدى مصداقية ما يروّج الآن بعد رسائل هيلاري كلينتون من أن آلاف الأطنان التي كان يختزنها القذافي كانت السبب وراء الإطاحة بنظامه على يد الغرب بزعامة الولايات المتحدة؟

في تقديري، أن هذا ليس هو السبب الفعلي. فالذهب موجود في كثير من الدول الأفريقية سبائك ومناجم بكميات مهولة. والسعودية وتركيا ولبنان لدى كل منها احتياطي ذهب يصل إلى قرابة 300 طن. وتمتلك دول آسيوية كالصين والهند مخزوناً هائلاً من الذهب لا يُستهان به. بل وكانت مصر تمتلك قرابة ثلاثة أضعاف من كميات الذهب من تلك المتوافرة في ليبيا أيام القذافي، وعندما سقط مبارك لم يقل أحد إن ذلك كان بسبب مخزون مصر من الذهب.

إنّ السبب الفعلي يدعونا إلى العودة إلى قصة خطاب القذافي الشهير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2010. وهو الخطاب الذي مزّق فيه القذافي ميثاق الأمم المتحدة في مشهد غريب حرّك مشاعر الحاضرين تحريكاً شديداً وكل من شاهد الخطاب.

كان تمزيق القذافي للميثاق، في نظر الولايات المتحده الأميركية وأوروبا وكل دول العالم، يعني خروج القذافي من الميثاق ومن أي التزامات يفرضها الميثاق: لا سلام، ولا أمن، ولا تعاون متبادل، ولا سعي نحو عالم أفضل وأرحب.

في الوقت نفسه، يدرك الأميركيون قوة تواجد القذافي في منظومة شخصيات من بقايا قادة حركات التحرر، والشيوعيين، والمتطرفين من كل الأصناف، والإرهابيين حسب التصنيف الغربي.

كان الغرب يدرك سطوة القذافي على هذه النخب، وتأثيره المباشر والقوي عليهم؛ وهي النخب النشطة سياسياً وحركياً على الساحة الدولية، والمنبوذة من الغرب. ويدرك الأميركيون الصلات والاتصالات بينه وبينهم، ويراقبون زياراتهم إلى خيمة القذافي، ويعلم كل دقائق الدعم المادي والحوالات المالية.

كذلك، يعلم الأميركيون أن تنصل القذافي من التزاماته وواجباته التي يفرضها عليه الميثاق سوف يجعله يصول ويجول بلا رقيب ولا حسيب. وبالتالي فالقذافي لن ينظر إلى مجلس الأمن؛ ولن تعنيه قراراته بل هي في نظره لا تنطبق عليه. 

ولذلك فإن الرئيس الأميركي عقد اجتماعاً طارئاً مع مجلس الأمن القومي الأميركي في اليوم التالي للخطاب، بمشاركة البنتاغون والاستخبارات المركزية، وقد تمخض عن هذا الاجتماع قرار سرّي خلاصته؛ خلع القذافي قبل سبتمبر 2011. وهذا استنتاج سهل التوصل إليه من متابعة التطور السياسي منذ خطاب القذافي إلى 20 أكتوبر 2011، وهو تاريخ مقتل القذافي على يد ثوار فبراير، الذين حرموه من فرصة المحاكمة العادلة.

لم يكن الذهب في فترة حكم القذافي هو العنصر المحرك للاقتصاد والسياسة في ليبيا؛ بل النفط وأسعار النفط. وأما تكديس الذهب واختزانه فإنه لا يتناسب مع مقولات النظرية الاقتصادية التقليدية المبنية على قوى السوق؛ العرض والطلب والثمن. وبالتالي، فإن تكدس الذهب يعني زيادة المعروض منه في السوق الدولية في مقابل الطلب عليه، وهذا يؤدي، في الظروف العادية، إلى انخفاض سعره في مواجهة الدولار وأسعار العملات العالمية الصعبة الأخرى. كان القذافي يتعامل مع العالم الخارجي بالدولار الأميركي الذي غطته أميركاً كلياً بالذهب الفائض عن الحاجة.

ماذا إذاً كان ليفيد القذافي بهذا التخزين؟

فبالرغم من أهمية احتياطي الدولة أو مخزونها من الذهب في تثبيت سعر عملتها، إلا أن الدينار الليبي لم يكن في أي لحظة عملة دولية مهمة أيام حكم القذافي، ولا يظهر سعر صرفه أو قيمته الفعلية في مواجهة العملات الصعبة إلا في السوق المحلية الضيّقة والمقيّدة.

ولعل انتشار وباء كورونا عالمياً، وصعوبة نقل سبائك الذهب بكميات كبيرة في التجارة الدولية للذهب والماس والفضة أوضح محدودية الاستفادة منه في مواجهة الصعوبات الاقتصادية داخلياً. والدليل على ذلك، أن السياسة المالية الأميركية في علاج تداعيات الوباء على الأسر الأميركية قد اعتمدت بالدرجة الأولى على الدعم النقدي المباشر لهذه الأسر ولشرائح المجتمع الأميركي العامل الأخرى.

وتبقى أمامنا نقطة واحدة في المناقشة؛ حيث شاع أن القذافي بعد أن نصّب نفسه ملك ملوك أفريقيا، وظهور مخاوف هيمنة القذافي على أفريقيا بخلق عملة أفريقية جديدة؛ هذه المخاوف لم تكن حقيقية ولا جادّة في التفكير السياسي والاقتصادي الغربي، بل كانت نوعاً من التفكير الأفريقي الطوباوي الذي ساد في الستينات من القرن الماضي. فالغرب يدرك أن القذافي لم يكن في يوم ما قادراً حتى على خلق نظام اقتصادي وطني داخلي قويّ، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنّ الأميركيين والأوروبيين يدركون أن القذافي لن يستطيع مواجهة سياسة الصين وإسرائيل الاقتصادية في أفريقيا، فضلا عن اعتقادهم أنّ سياسة التعالي الأجوف التى كانت تحيط بهالة سلوكه الغريب في أفريقيا كافية لإخفاقه في أي مشروع أفريقي طويل الأمد.