Atwasat

السياسة الخارجية الأميركية والإخوان المسلمون في ليبيا «الارتباط الإستراتيجي»

محمود محمد خلف الثلاثاء 13 أكتوبر 2020, 10:36 صباحا
محمود محمد خلف

السؤال المطروح هو لماذا يتمسك الأميركيون حتى الآن بالإخوان المسلمين في ليبيا؟
درج الفقه السياسي الأميركي على تفادي استخدام الدين كأداة فاعلة في تحقيق السياسة الخارجية، ولا كأداة تحليلية لفهم وتفسير وتحليل وتبرير السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، تفاديا لتصوير الصراع العربي - الإسرائيلي في الإطار العقيدي. ولكن التطور السياسي في المنطقة العربية وبروز ما يعرف بحركات الصحوة والإسلام السياسي ثم تنامي دور التطرف الإسلاموي واستهدافه السلطة جعل السياسة الأميركية تبحث عن حلفاء في المنطقة من هذا الصنف.
وفيما يخص ليبيا، دأبت إدارة أوباما على الربط القوي مع جماعة الإخوان المسلمين، الذين تعلموا ونشأوا في كنف التنظيمات الإسلامية- الأميركية داخل الولايات المتحدة نفسها، والتي كانت بمثابة دروس التنشئة السياسية الأساسية في القيادة وتعبئة الجماهير.
من أهم العوامل التي جعلت إدارة أوباما ثم إدارة ترامب تتمسك بالإخوان المسلمين الليبيين هو نظرة الإستراتيجيين من واضعي السياسة الأميركية إلى قوة العامل الديني في ليبيا وضحالة تجربة الشعب الليبي الحزبية، مما يرفع احتمال وصولهم وهيمنتهم على الحكم في ليبيا.
تاريخيا، أدرك الأميركيون أن المجتمع الليبي مجتمع بسيط سهل التخلل «easy to penetrate»، وهي خاصية مهمة لنجاح خطط وبرامج التأثير السياسي المبرمج. كما أن العقيد القذافي لم يسمح بالأحزاب واعتبرها خيانة للشعب والثورة. وتجمعت فئات من المعارضين في الخارج، وكانت أميركا تحظى بوجود مجموعات من طلاب الدراسات العليا في جامعاتها ممن أظهروا نشاطا اجتماعيا وتنظيميا في المراكز والتنظيمات والمؤسسات الإسلامية الأميركية ذات النشاط العام والموجه.
السبب الآخر نجده في أن الأميركيين لم يجدوا بديلا سياسيا جاهزا ومؤهلا لقيادة البلاد بعد سقوط القذافي، ورأوا هذا البديل في تلك النخبة الليبية التي على أراضيهم.
ولعل من أهم أسباب الإخفاقات المتلاحقة التي حلت بحركة فبراير وبالحياة السياسية التي أفرزتها هو غياب عنصر القيادة أو اختفاء العامل الفردي «ido-centric factor»، كما يسميه العلامة جيمس ن. روزيناو. وفيه يضع كل العوامل ذات الصبغة الفردية كعامل محرك في الحركة السياسية والسلوك السياسي.
كانت تجربة المجلس الانتقالي التي تمخض عنها التطور السياسي المبكر في حركة فبراير 2011، الذي في تصوري كان الحجاب الحاجز الذي يستتر وراءه خوف الثوار الطليعيين من ظهور اسم شخص واحد وراء قيادة فبراير؛ لقد كانت فكرة المجلس الانتقالي على أهميتها في أمس الحاجة إلى اسم فرد واحد يكون رئيسا للمجلس الانتقالي، ويظهر علنا زعيما للثوار وقائدا للحركة الثورية.
إن انسحاب الشخص رقم واحد في المجموعة الوليدة للمجلس هو الذي أصاب حركة فبراير بأعراض الشلل السياسي المبكر.
أيضا، في تقديري، فإن طبيعة الأفكار المتطرفة التي أساءت للإسلام كانت فرصة لتقديم مزيد الدعم للمساهمة في تدمير الإسلام ودوره العالمي الذي كان مرتقبا.
لقد ظهرت الكثير من الأفكار المتطرفة التي تبنتها حركات إسلاموية كان لها بالغ الأثر على طبيعة حركة فبراير ومجراها، سواء فيما بين الثوار أنفسهم أو في نظرتهم وتعاملهم مع العالم الخارجي؛ اغتيال اللواء عبدالفتاح يونس العبيدي، يوليو 2011 على يد متطرفين من الثوار، ثم اغتيال السفير الأميركي، كريس ستيفنز، سبتمبر 2012 في بنغازي، ليست سوى أمثلة على التدهور المبكر الذي حل بالفبرايريين وهم في خطواتهم الأولى بعد انهيار الديكتاتورية.
وأخيرا، فإن حجم الأموال والثروات التي جمعها القادة الإسلاميون وأتباعهم في فترة الربيع العربي الدموي، والتي أودعت في معظمها في مصارف أميركية وبالذات بنك أميركا، هذه الأموال صارت جزءا مهما من رأس المال المعولم المتمركز في الولايات المتحدة، الذي يلعب دورا مهما اقتصاديا، والذي أيضا يمكن الاستيلاء عليه ومصادرته في أي وقت عندما تقرر الحكومة الأميركية الاستغناء عنهم.