لوحظ على كل مسارات الحوار التي شهدتها ليبيا سواء على المستوى المحلي، أو الدولي، إشراك فئات متعددة من المجتمع الليبي؛ كممثلي منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ومجالس الحكماء، ناهيك عن بعض أعضاء المؤسسات السياسية القائمة ورجال الأعمال، في المداولات المختلفة للحوا، مع غياب كامل للتنظيمات النقابية في كافة هذه المسارات، بما تمثله من مصالح قطاعات عريضة تأثرت بشكل واضح بكل أزمات المرحلة من افتقاد للشرعية وسوء توزيع للموارد الاقتصادية، ناهيك عن عجز الدولة في فرض سيطرتها على كل الإقليم.
وقد يعزو البعض تجاهل النقابات إلى غيابها العملي عن أرض الواقع وضعف دورها وتأثيرها، الأمر الذي لا يبرر إقصائها بطبيعة الحال؛ فأغلب الأحزاب المشاركة هي تنظيمات بدون نشاط يذكر أو حتى كوادر، وهي قائمة على أشخاص فقط لا تتعدى أنشطتها إصدار البيانات.
وكذلك كثير من ممثلي منظمات المجتمع المدني لا يوجد تأثير واضح لمنظماتهم على الأرض، والأمر ذاته ينطبق على المستقلين، لكن في اعتقادنا أن الخلل يمكن إرجاعه إلى النقابات ذاتها وثقافة العمل النقابي في ليبيا، حيث تأثرت استقلالية التنظيمات النقابية كثيرا بإدماجها ضمن بنية النظام السياسي إبان فترة النظام السابق الذي جعلها إحدى ركائز ما سمي حينها بالسلطة الشعبية وأضحت النقابات من ضمن تركيبة مؤتمر الشعب العام، الأمر الذي عزز من هيمنة السلطة القائمة على العمل النقابي وتجريد النقابات والاتحادات المهنية والإنتاجية والخدمية من استقلاليتها، وتدجينها بالقضاء على روح المبادرة والدفاع عن مصالح الأعضاء في مواجهة الدولة.
بعد تغيير النظام السياسي في ليبيا، ازداد المشهد ارتباكا. فالقوانين المنظمة للعمل النقابي كانت على مقاس النظام الجماهيري ورؤيته للنقابات كالقانون 23 لسنة 1998، حيث لم يتم تغيير هذه القوانين (عدا القانون 10 لسنة 1990 الخاص بإعادة تنظيم مهنة المحاماة )، أو حتى تجميدها، الأمر الذي أوجد ضربا من الفوضى الواضحة في تسجيل النقابات وتبعيتها وكذلك عملها. ولم ينجح تغيير النظام السياسي في 2011 في توعية النقابات بدورها الحقيقي في المجتمع على المستويين المحلي والوطني، وتغيير آلية عملها وتدريبها على القيادة وأخذ المبادرة في تقديم رؤية وطنية لإدارة المرحلة.
لذا، على النقابات، وإن كانت مشتتة، عقد لقاءات عاجلة للتأكيد على دورها، والمطالبة كغيرها من التنظيمات بالمشاركة في جلسات الحوار القادمة بمساراته المختلفة، لتدلو بدلوها في الترتيبات الاقتصادية والسياسية القادمة ، أسوة بمثيلاتها في دول الجوار كتونس والمغرب، حيث كان للنقابات فيها دور رائد وفاعل في إدارة الحوار المجتمعي ونقل رؤيتها إلى أصحاب المصلحة، سيما وأن الغالبية العظمى لمنتسبي هذه النقابات من الطبقة الوسطى التي عانت وتعاني الأمرين من سوء الأحوال الاقتصادية والسياسية والأمنية.
تعليقات