Atwasat

اللغة مشروع وجود ونهضة «2-3»

فلاني عبدالرحمن الزوي الإثنين 12 أكتوبر 2020, 03:37 صباحا
فلاني عبدالرحمن الزوي

إن إتقان المعرفة والتمكن من العلوم واختصار الوقت والجهد المبذول في تحصيلها عند الطالب بلغته ولسانه، ليس من الصعب إثباته والوقوف على حقيقته، مع جرعات من الندم والانكسار على ما فات، لأمر مؤسف وملموس ولم يعد خافيا علينا، وبأن الطريق الذي سيصل بنا إلى هدفنا يكمن في ثقتنا بأن لغتنا هي الوسيلة التي ستمكننا من العلوم واكتساب المعارف وفهمها واللحاق بركب الأمم التي سبقتنا بعد أن كانت وراءنا.

إن إحياء لغتنا والعودة لها كأداة للتحصيل العلمي والمعرفي في مدارسنا وجامعاتنا، وفتح أبواب البحث العلمي والاستنباط والترجمة للعربية، حتما سيمكننا من الوصول إلى غايتنا وهدفنا وتحقيق ما نطمح إليه، وأن الجهد والزمن الذي سنبذله اليوم سيكون أقل مما نكابده ونبذله اليوم، والمحصلة حتما ستكون أوفر عطاءً وأجود نوعا، وما يبقى علينا عمله يتلخص في تنفيذ هذه الإرادة وبداية التطبيق لذلك القرار الجريء على أرض الواقع، لنتمكن من المعرفة بكفاءة ويسر سواء لحاضرنا اليوم أو للأجيال القادمة مستقبلا، وربما يستعيد التاريخ دورته لتترجم العلوم من العربية إلى لغات أخرى، كما كان عليه الحال منذ ثمانية قرون مضت.

جامعتا دمشق وحلب عربتا مناهجهما في دراسة الطب وهي أول من تبنى الترجمة والتعليم باللغة العربية ومعها العراق كذلك، ومن بين الكتب التي اطلعت عليها عند زميل سوري الجنسية ومعه ذلك الكتاب «هاريسون» المترجم إلى اللغة العربية واطلعت على تلك النسخة منذ ثلاثة عقود مضت، ليس هذا فحسب بل إن الأطباء الذين درسوا في هذه الجامعات وباللغة العربية كانوا الأقدر والأكثر ثقة وكفاءة ومنافسة علمية وعملية، في مواصلة تخصصاتهم في جامعات العالم وبلغاتها المختلفة كالإنجليزية والفرنسية وغيرها، ولم تواجههم أي صعوبات في مواصلة تحصيلهم العلمي بتلك اللغات، بل إن نجاحهم كان ملحوظا وبتفوق ظاهر، وإن جانب إتقان اللغة الأجنبية في عمومها أو في مجال الطب، لم يكن عقبة إطلاقا وتمكنوا منها في شهور قليلة.

لو نظرنا لبعض الأمثلة بيننا اليوم، فهل بالضرورة أن ننطق ونعبر حرفيا بكلمات ومسميات أجنبية؟ مثلا «برونكسوبي Bronchoscope» في حين يعني بلغتنا منظار الرئة، أو للعينة التي يأخذها الطبيب من رئة المريض بأن نتقيد باسمها «لنق بيوبسي Lung Biopsy»، وهي عبارة عن عيّنة أو خزعة مأخوذة من تكتل أو كتلة بالرئة «lung mass»، وهل يختلف الأمر لو قلنا تكتل بالرئة أو حوصلة أو تكيس بالرئة؟ قطعا الإجابة ستكون بالنفي، وعندما يتعلم الطالب بلغته دواعي وأسباب وأعراض ومخاطر واحتمالات تلك العقدة أو التكتل الرئوي، يكون قد استوعب المادة العلمية استيعابا جليا وراسخا مبنيا على الربط والتحليل، وأتقن عن كَثب الاحتمالات المتوقعة من نتيجتها وطرق علاجها بيسر وسهولة إذا تعلمها وفهمها بلغته، ولم يبق أمامه بعد ذلك إذابته الأمر وتطلبت الضرورة إلا أن يعرف بأن تسميتها باللغة الإنجليزية هكذا يكون أي «lung biopsy»، وسيكون لها اسم آخر بالألمانية والفرنسية لمن يريد ذلك.