Atwasat

الوقت والسيف!

صالح الحاراتي الأحد 11 أكتوبر 2020, 01:35 صباحا
صالح الحاراتي

من منا لا يعرف مقولة:
«الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك».. مضت عليها قرون، وهي تتكرر على مسامعنا في الكثير من المناسبات، مما يعني للوهلة الأولى أننا نعرف جيدا أهمية الوقت، ولكن الحقيقة، بل أظن الأمر السائد هو.. أننا لا نهتم ولا نشعر بأهمية الوقت ولا علاقة لنا «بحسم وقطعية» السيف حتى.
نتخذ ذلك شعارا وقولا مأثورا.. بل كثيرا ما تساءلت، لماذا نحمل ساعات في أيدينا؟
هل نحن فعلا نهتم بأن هناك أربعا وعشرين ساعة في اليوم؟ ولدينا الرغبة فعلا في القيام بالاستفادة منها عملا وإنجازا؟!

لا أعتقد ذلك. بل يبدو لي أن علاقتنا مع الزمن علاقة سلبية فاسدة؛ إذ لو نظرنا إلى واقعنا فسنجد التجلي الظاهر لمسألة الانفصال بين القول والفعل، وذيوع اللفظية والخطابية، والإفراط في الكلام والمبالغة وزيادة التأكيد وكثرة التكرار والضجيج، لذلك إذا ما قارنا بين كل ذلك وما هو في الواقع، فإن الأمر ليس إلا ترديدا لشعارات نظرية أو ما يسمى «المتاجرة بعموميات» ليس لها وجود عيني حقيقي.. والزمن يمضي ونحن بلا أفعال.

إننا نعيش شيزوفرينيا حياتية وانفصاما حقيقيا بين القول والعمل، و«حياتنا تمضي بلا مبالاة وفي بلادة ظاهرة.. فالأمس كاليوم وهما كالغد القادم».. وأظن أن المسألة ليست تكاسلا وليست ترفا وليست طبيعة فسيولوجية في الجينات نختص بها دون العالمين! المسألة، بظني، لها علاقة بالمحتوى الدماغي وما يحتويه من يقينيات وبديهيات ومسلمات أفرزت تلك اللامبالاة والبلادة.

المسألة أظنها تتعلق بعدة مرتكزات وعوامل ومؤثرات. ولكني أظنها تبدأ من يقين وموروث ديني يؤكد إلغاء إرادة الإنسان في مقابل الإرادة الإلهية!! وبوجود ذلك اليقين الغائر في أعماق النفوس بالجبرية وأن الإنسان لا دور له في تحديد مصيره، وأن هذه الدنيا ليست دار قرار والحياة الدنيوية لا تستحق، والحياة التي تستحق هي الحياة الآخرة!! ولذا لا أهمية لتدارك الوقت والاستفادة منه في رحلة الحياة القصيرة.. هكذا تسرق الرتابة والجمود زماننا حتى نصل إلى عمر لا نستطيع فسيولوجيا القيام بالجهد اللازم، فيزداد ركوننا وتمضي حياتنا رتيبة لا قيمة للوقت فيها، ونمضي في اجترار ما يسهم في بعث الطمأنينة في نفوسنا تعلقا بالحياة الآخرة.

فالمسألة، بظني، يفسرها ما نراه من عقول تؤمن وتروج وتسوق لمقولات مثل «دع الملك للمالك» و«الله غالب».. و«المكتوب ع الجبين».. إلخ. ويا ليت ذلك اليقين يحفزنا إلى العمل والاستعداد لما نعتقد باعتبار رحلة الحياة قصيرة، ولكن واقع الحال أن ذلك اليقين يدفعنا بجهالة إلى السكون وموت الرغبة وحب الحياة والكد فيها؛ بينما كان يفترض أن يقيننا ذلك يذهب بنا إلى أن «ليس للإنسان إلا ما سعى»، وكان يجدر بنا أن نفهم أن السعي هو العمل والجد والمثابرة، وليس أي شيء آخر.

من هنا، وفي مقابل تلك العقلية والمنهجية، يكون لزاما علينا رفض «الفهوم الدينية المغلوطة»، حيث ذلك الرفض ليس ترفا ذهنيا، ولكنه واجب ووعي بأثر تلك الفهوم المدمر على العقل والحياة، لأنها ستنتج حتما سمة إهدار قيمتي العمل والوقت من خلال تفاعل تلك الفهوم الخاطئة بمفاهيم الكدح في الحياة.
وإذا خرجنا من دائرة المعتقدات إلى الواقع، نذكر هنا أيضا مرتكزا آخر لمسألة إهدار قيمتي الوقت والعمل، ذلك الذي يتعلق بانتشار وسيادة مفهوم الدولة الأبوية الرعوية على العقول، حيث درجنا عبر تاريخنا على تبني أنظمة حكم، يكون فيها الحاكم الفرد الجواد على شعبه بالمكرمات هو الأصل وهو النموذج، بل زاد الأمر رسوخا بلعنة النفط والاقتصاد الريعي، بحيث صار المواطن يعتمد على الدولة في كل شيء «هي تؤمن له حاجاته الضرورية بالحد الأدنى وهو عليه الطاعة والولاء للحاكم»، ولذا يعيش الإنسان منتظرا ما تجود به الدولة والحاكم عليه من مكرمات، ويترسخ في العقول تغييب قيمتي الوقت والعمل والكدح في الحياة.

هذه إطلالة عابرة على إحدى مثالبنا.
وسيبقى، في هذا السياق، استحضار القول المأثور «الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك» حجة علينا!