Atwasat

غربة الدستور في الوطن العربي

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 11 أكتوبر 2020, 01:32 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

ظاهرة صدور قوانين مكتوبة تنظم الحياة اليومية للناس من معاملات تجارية وعلاقات زواج وغيرها، وتحدد عقوبات على التعديات والمخالفات والجرائم، ظاهرة قديمة تعود إلى حضارات ما بين النهرين.

إلا أن هذه القوانين لم تكن ترسم علاقة الحكام بالمحكومين. هذا التطور القانوني، الذي صار يسمى الدستور، تأخر ظهوره وساعدت على هذا الظهور تطورات معينة في مجتمعات بعينها.

لقد ظهرت فكرة الدساتير لدى الإغريق، فكان لدى عدد من المدن- الدول الإغريقية دساتير تمزج بين العرفي والمكتوب.

إلا أن أول دستور بحصر المعنى مكتوب هو ذلك الذي وضعه صولون، الذي انتخب حاكما على أثينا العام «592 ق.م». ومن ضمن الإجراءات الدستورية التي اتخذها إنشاء مجلس الأربعمئة المتكون من قبائل أثينا الأربع، ومهمة هذا المجلس تحديد المشاريع التي يجب عرضها على مجلس الشيوخ. وقام بإحياء مجلس الشعب المتكون من عموم المواطنين الذي عهد إليه باختيار الحكام، وأصبح جميع الموظفين في الدولة والقواد عرضة للمحاسبة بعد انقضاء مدة عملهم.

في روما حدث تطور كبير متعلق بالحياة السياسية، فاستحدثت كثير من المجالس والهيئات المنظمة لحياة الناس، منها مجلس الشيوخ الذي كان يعتبر صاحب أعلى سلطة في روما.

في العصر الحديث يعد أول دستور، بالفهم الذي أصبح متداولا للكلمة، هو دستور الولايات المتحدة الأميركية الذي وضع العام 1776 وهو دستور الكونفدرالية، ثم دستور الفدرالية الذي وضع العام 1789.

في العالم الإسلامي والوطن العربي كان أول دستور هو ذلك المسمى «عهد الأمان»، الذي صدر بتونس سنة 1861 في عهد محمد الصادق باي، والمتأسس على وثيقة «عهد الأمان» الصادرة سنة 1857 في عهد أحمد باي. وقد سوى هذا الدستور بين التونسيين في الحقوق والواجبات دون اعتبار للديانة أو المكانة الاجتماعية أو السياسية، وتضمن الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية.

وبذا فهو يعد أول دستور علماني* في العالم الإسلامي والوطن العربي.
في تركيا يعد «القانون الأساسي» الصادر سنة 1876 أول دستور في الدولة العثمانية.

لكن المشكلة تمثلت في عمليات الإجهاض التي حاقت بهذه الخطوات المؤسسة، إذ تم تعليق العمل بدستور «عهد الأمان» بعد أقل من أربع سنوات، والدستور العثماني «القانون الأساسي» لم يدم سوى عام واحد.

ولعل هذا الإجهاض ناجم عن أن إصدار هذين الدستورين لم يكن ناشئا عن تطور داخلي ومخاضات داخلية في إطار المجتمع المعني، وإنما كانت نتيجة استجابة اضطرارية للضغوطات الأوروبية من جانب، وحراك نخب وطنية صغيرة مستنيرة كان يهمها مثل هذا التطور.

في النصف الثاني من القرن العشرين يعتبر دستورا تونس واليمن الديمقراطي السابق الدستورين العلمانيين الوحيدين في الوطن العربي.

وما زالت فكرة الدستور ومضامينها وأبعادها محل أخذ ورد، وهجوم ودفاع، في العالم الإسلامي والوطن العربي، وذلك ناشئ عن الموقف المعادي للعلمانية.

* صفة «علماني» هنا مجرد حشو، لأن الدستور بطبيعته لا بد أن يكون علميا. وإلا فهو «شريعة» دينية تحتوي على أوامر ونواهٍ تتعلق بالحلال والحرام وبعض القواعد الأخلاقية، ولا يتطرق إلى العلاقة بين الحاكم والمحكوم والمنظمات الشعبية التي تراقب سلوك السلطات وتطبيق القوانين، أي المشاركة الشعبية في شؤون الحكم.