Atwasat

خواطر محض ذاتية (1-2)

أحمد الفيتوري الثلاثاء 06 أكتوبر 2020, 06:33 صباحا
أحمد الفيتوري

المربع الأمثل لا زوايا له

الإناء الأمثل لا يمتلئ

النغمة المثالية لا صوت لها

الصورة المثالية لا شكل لها

لاو – تسو من كتاب التاو الصيني(*)

• من لزوم ما لايلزم
ما الداعي للحديث عن التنمية؟، وقبل ذلك أليس هذا الاصطلاح هو خاصتنا، وإذا ما سمعه المرء أو خطر بباله فإن الجنوب أو العالم الثالث أو نحن رديف تنمية، أفليست مفردة تنمية هي اختزال للعالم غير الغربي أو الشمالي إن شئت، هكذا يبدو لي أن هذا الاصطلاح هو هوية.

هذه الهوية التي يحددها الآخر القياس أو المعيار والمرجعية، فما ليس أوروبيا أمريكيا يابانيا هو نامٍ، وهو من دولة نامية. والرئاسة العليا للعالم أو المجلس الأعلى هو من الدول المتطورة والجمعية العمومية لهذا (الكونجرس) هي من الدول النامية.

وقبل مايزيد عن نصف قرن، لم تكن هناك "دول نامية " ولا "تخلف ". فهذه مصطلحات برزت على السطح بصورة تدريجية في لغة السياسة والأدب الأمريكية أثر الحرب الباردة، وحققت انتشارا واسعا من خلال المنظمات الدولية، كالبنك الدولي للتعمير والتنمية، والأمم المتحدة، واليونسكو، ومن خلال نشأة أفرع العلوم التي تهدف إلى التركيز على هذه الأمور.

والدول المتطورة هي الدول الرأسمالية؛ حيث التطور الرأسمالي هو تطور التفاوتات أو التطور اللامتكافئ وهكذا هو واقع الحال.

وهكذا ومن واقع الحال هذا نتبين تحديدا لهذا الاصطلاح: التنمية، أن النامي قد سمي كذلك وسميت بلده بلدا ناميا من قبل المتطور. ولنتبين أن حال المجتمع الإنساني الحالي حال مجتمع التفاوتات، النامي فيه يعيش الحاجة والعوز والخوف؛ والحال أن قسما كبيرا من ثلاثة أرباع البشرية يعيش خارج التاريخ ويغوص في الظلام. بذا تبدو التنمية وكأنها تعني إلى حد بعيد أنها المحاولة لدخول التاريخ بالخروج من الظلام؛ والتاريخ كما يبدو يعنى الانتماء لمجتمع الدول المتطورة، وللخروج من الظلام لابد من النسج على منوال الآخر الذي دعانا بالنامين، أي أن ننتمي لمجتمع التفاوتات. هكذا يبدو لي أنه في هذا الحال يبرز التناقض جليا، وهو ما يعبر عنه حال المجتمعات النامية من توتر وتشنج وصراع وعنف وتمزق.

ففي مصطلح تنمية هذا مرآة تختزل هذا التناقض.

لقد قامت الدول المتطورة بتسمية وضعنا بالدول النامية، وحددت أسلوب النمو الذي نتبع سوى عبر أدبياتها، أو باعتبار أنها النموذج الذي نحتذي في وعينا ولاوعينا. كذلك سبق وأن دفعنا ثمنا ما مشاركين غصبا في جعل هذه الدولة أو تلك متطورة ولازلنا. أو كما يقول المفكر السويسري جان زيغلر: النظام الإمبراطوري لا يزال قائما، وإن زالت الإمبراطوريات. النظام الإمبراطوري للرأسمال المالي المتعولم والممتدة قاعدته مابين نيويورك واستوكهلم وطوكيو؛ إنها إمبراطورية الشمال التي لم تعد حتى بحاجة إلى استعمار الجنوب. فبفضل الثورة الإلكترونية في الغرب والاستغناء عن معظم المواد الأولية بمواد صناعية والعقلنة القصوى للعملية الإنتاجية؛ فقد الجنوب، أو العالم الثالث كل أهمية له - باستثناء النفط - في نظر الغرب.

إمبراطورية ليس فيها مستعمرون، بل مستبعدون فقط.

وهكذا يمكن استبعاد الصومال مثلا، كما يمكن استبعاد الصناعة البتروكيميائية من خارطة هذه الإمبراطورية، وبذا يمكن أن ننسى القضية الصومالية التي في لحظة ما بدا وكأنها قضية القضايا، وأن هذا البلد قلب العالم المريض. كذلك يمكن تحويل دولة عالمثالثية إلى دولة صناعية من الطراز الأول في الصناعات الملوثة وغير الكترونية، وجعل الاقتتال خبز النامين اليومي، والفرجة اليومية لمتساكنى هذه الكرة الأرضية.
لقد بدا لي من خلال متابعتي المحدودة ومطالعتي غير المختصة؛ أن أول عمليات الاستبعاد في الأدبيات السياسية قد طالت مصطلح التنمية، فقد أمسى مصطلحا في القواميس والموسوعات الاقتصادية الأكاديمية، وغرب مع ما غرب من مصطلحات تنموية أخرى مثل التشريك والتكامل. وبدا وكأن الديمقراطية والتدفق الحر والسوق تعني، مما تعني، أنها النقيض الحقيقي للتنمية الوئيدة.

• وقد راجعت الكتب التالية:
(*) كتاب التاو - إنجيل الحكمة التاوية في الصين - لاو تسو - فراس السواح - الناشر دار علاء الدين - الطبعة الأولى 1998م .
راجعتُ في الخصوص:
1 - ثقافة العولمة - القومية والعولمة والحداثة - إعداد مايك فيذرستون - ترجمة عبد الوهاب علوب - الناشر المجلس الأعلى للثقافة - القاهرة - المشروع القومي للثقافة ، 132 - الطبعة الأولى 2000 – (يُنظر: مقالة : الحلم بعالم علماني؛ معنى سياسات التنمية وحدودها، ص 185 ، لفردريش تنبروك - وكذلك مقالة: القومية والعولمة والحداثة ، ص 197، لجوان أرناسن).
2 - في مواجهة أزمة عصرنا - سمير أمين - الناشر سينا للنشر ،القاهرة و الانتشار العربي ، بيروت - الطبعة الأولى 1997م – (أنظر: الفصل الخامس: أزمة التنمية في الوطن العربي ، ص 121 - الفصل السادس: شروط إنعاش التنمية ، ص 139).
3 - أوهام الهوية - المفكر الإيراني داريوش شايغان - ترجمة محمد علي مقلد - الناشر دار الساقي ، بيروت - الطبعة الأولى 1993م. كذلك يمكن الاستفادة النظرية من كتابه النفس المبتورة الصادر عن نفس الدار.
4 - التراث والتطور - المفكر الإيراني إحسان تراقي - ترجمة عبد الوهاب علوب - الناشر الهيئة العامة لقصور الثقافة - آفاق الترجمة - القاهرة - الطبعة الأولى 1999