Atwasat

النجوم في المخيال القانوني

جازية شعيتير الأحد 04 أكتوبر 2020, 01:31 مساء
جازية شعيتير

حينما يشرع الفنان، رساما كان أم شاعرا أم أديباً، في رسم صورة جمالية عن الليالي الصيفية، لا تكتمل صورته بدون وصف لثوب السماء الأنيق الغامض المزدان بالنجوم المتلألئة. وكثير من الناس لا تحلو سهراتهم الخارجية، سواء كانت برية أم بحرية، إلا بافتراشهم الأرض وتلحفهم الفضاء المرصع بتلك اللآلئ؛ يعدونها، أو يرسمون منها أشكالا أو يتتبعون حركتها، ويحاولون رصد مواقعها التي أقسم بها الله سبحانه في كتابه الكريم. ومنهم، من يناجيها ظناً بأنها "أرواح الأحبة الذين ذهبوا..." رضوى عاشور.

النجم هو معيار الأفضلية في أي مجال من مجالات البشر، فالشخص المتميز في أي مجال يقال له نجم كنجوم الكرة ونجوم السينما... إلخ. ومفردة النجوم لفظة مشهورة في اللغة العربية وفي اللهجة الليبية بمفرداتها المؤنثة والمذكرة؛ بوصفها صفة جمالية حين توصف إحداهن بأنها نجمة بالسماء، وقد وجد هذا الاسم سبيلا لليبيات فكثيرا ما تجد سيدة ليبية أسمها "نجمة". كما توجد في برقة "شرق ليبيا" عائلة كبيرة من قبيلة العواقير تسمى" عائلة نجم" نسبة إلى نجم بن خريبيش ابن الشيخ نجم الدين الولي الصالح. ولا يخلو حديث المشجع على المثابرة من الإشارة للبيت الشهير: إذا خضت في مجد مروم فلا تقنع بما دون النجوم باعتبار النجوم هي المراد السامي. ولعله يستدرك على هذا القول متذكرا مقولة ثيودور روزفلت: "اجعل عينيك على النجوم، واجعل قدميك على الأرض".

وتدخل النجوم في أحد رموز الهوية الوطنية لبعض الدول، حيث نجد أعلامها تحوي رمز النجمة سواء كانت وحيدة، أم كانت مجموعة من النجوم. وقد يجاورها رمز أخر مثلا: الهلال، كما في علم الاستقلال للدولة الليبية والمنصوص عليه في دستور 1951، حيث نصت المادة 7 منه على تفاصيل شكل العلم واصفة النجمة التي تتوسط الهلال بأنها "كوكب أبيض خماسي الأشعة" وبالرجوع لقواميس العرب والعربية تجد ما يذهلك من معاني؛ النجم، والنجوم، والتنجيم. ولعل ما لفت نظري هو معنى التقسيط للمال فقد عثرت على بيت عربي جميل يدل على أن الديات كانت تدفع بالتقسيط، حيث قَاْلَ زُهَيْرٌ فِي دِيَاتٍ جُعِلَتْ نُجُومًا عَلَى الْعَاقِلَةِ: يُنَجِّمُهَا قَوْمٌ لِقَوْمٍ غَرَامَةً، وَلَمْ يُهَرِيقُوا بَيْنَهُمْ مِلْءَ مِحْجَمِ وقفز ذهني هنا إلى القانون الجنائي وتحديداً موضوع تجزئة الغرامة أو تقسيطها، خاصة ذات المبالغ الطائلة، لكن تلك قصة أخرى... وقد كانت النجوم دليلاً للضال يهتدي بها، وكانت للحيارى مرشدا.

كما أن التاريخ يخبرنا عن تعامل الناس مع النجوم بوصفها أداة تنبؤ يستشرفون من خلالها المستقبل فيما سمى بعلم التنجيم؛ ذلك العلم الزائف الساحر، الذي يكيف جنائياً باعتباره نصبا إذا توافرت جميع أركانه وعناصره وأهمها حصول المنجم على منفعة من المجني عليه بناء على ادعائه، المدعوم بالوسائل الاحتيالية، بأنه يستطيع أن يريه الغيب!! وتلك أيضاً قصة أخرى... ولأني من عشاق النجوم الليلية بطريقة لافتة لمن حولي فاجأتني ابنتي بقولها لي في سهرة عائلية خارجية: ماما يمكنني أن أهديك نجمة. رددت عليها مؤكدة : النجوم وفقاً لمادة 81 من القانون المدني الليبي تعد من قبيل الأشياء الخارجة عن دائرة التعامل بطبيعتها؛ حيث لا يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها، ومن ثمة لا يصح بيعها أو شراؤها أو تأجيرها. ومحاولة اقتنائها أو إهدائها هي فكرة خيالية لا توجد سوى في ذهن الحالمين وفي أغاني المطربين، وشرعت أردد أغنية عبدالحليم الشهيرة: الهوى هوايا اخطف نجم الليالي، واعملك عقد غالي... إلا أنها قاطعتني مصرة: "ما عليك سوى أن تُشيري بإصبعك إلى الأعلى وتختاري النّجمة التي تريدين. طبعاً، الخيار لن يكون سهلاً، بسبب التشابه بين النّجمات. وبعد الاختيار، تحصلين على وثائق رسميّة تضمّ شّهادة الملكية، وفيها اسم النّجمة والتّاريخ وموقعها. وستحصلين أيضاً على كتيّب أسود يقدّم شرحاً عن كلّ الكواكب في السّماء.

وأخيراً، سوف تتلقّين رسالة تهنئة على شراء النّجمة، وقد أرفقت بكلّ الوثائق ذات الشأن، بالإضافة إلى إطارٍ خشبيٍّ لحفظ الشّهادة فيه. 125 دولاراً أميركيّاً هو الثمن المتوجّب دفعه، قد يرتفع إلى 163 دولاراً، إن أردتِ الحصول على مغلّف إضافيّ)!!! دخلت سريعاً على قوقل لمعرفة الأساس الذي تبني عليه نجمتي كلامها، وفي بالي أنها لعبة أو تطبيق من التطبيقات الكثيرة الموجودة على الأنترنت؛ إلا أني وجدت أن بيع النجوم عمل معترف به في السجلات العقارية الأمريكية والسويسرية والبريطانية، وأن هناك منظمة اسمها International Star Registry إنترناشيونال ستار ريجسترى www.starregistry.com/index.cfm تقوم ببيع أسماء النجوم منذ عام 1979، وبمجرد القيام بدفع المبلغ المطلوب يتم تسجيل الشراء للنجمة في الوثيقة الفلكية العالمية. وتمتلك هذه المنظمة سجلاً دولياً يوثق ملكية أي نجمة تختار وفق خطوط الطول والعرض، التي حددتها وكالة «ناسا» الفضائية، وبعد شراء النجمة يحق للمشتري اختيار اسمها. وحتى2005 امتلك 455 ألف شخص، في أمريكا وحدها، نجوماً معروفة أو سموها بأنفسهم حاليّاً، وثمّة ما يزيد على 1200 شخص عربيّ يمتلكون نجوماً بأسمائهم في السّماء، منهم 150 سعوديّاً، فيما يبلغ العدد الإجمالي لمالكي النّجوم حول العالم 750 ألف شخص، من بينهم مشاهير في مجالات مختلفة، مثل ولي العهد البريطانيّ الأمير "شارلز"، والأميرة الراحلة "ديانا"، والممثل الشهير "توم كروز"، واللاعب الفرنسي "زين الدين زيدان"، والمذيعة المشهورة "أوبرا وينفري".

عدت للواقع الليبي المعاش، وللنظام القانوني الليبي، وتخيلت لو أن الفعل يرتكب على الإقليم الليبي فما هو التكييف القانوني له؟ فهو على مستوى الحماية المدنية التي يوفرها القانون الخاص واقعة مخالفة للقانون المدني والتجاري، حيث إن هذه الشركات ترتكب جريمة تضليل المستهلك بهذه الإعلانات الكاذبة وهذا يوقعها تحت طائلة القانون التجاري وفقاً للمواد : 1317/ 1326 من القانون رقم 23 لسنة 2010 بشأن النشاط التجاري، أما عقد البيع فيجوز إبطاله للتدليس وفق نص المادة 125 من القانون المدني وإن كنت أميل إلى القول بوجوب بطلانه وفق ما تقضي المادة 132 من القانون المدني، حيث إن محل الالتزام مستحيل. أما على مستوى الحماية الجنائية التي يوفرها القانون العام فإننا قد نوجه لهذا البائع سواء كان شخصا طبيعيا أم اعتباريا، تهمة ارتكابه جريمة النصب وفقاً للمادة 461 من قانون العقوبات، فهو قد تصرف في مال لا يملكه وليس له حق التصرف فيه!!! غير أني عدت وتساءلت: ترى هل ينطبق هذا النص على واقعة بيع النجوم تمام الانطباق؟ بالتأكيد هي لم تدر في ذهن المشرع حين فصل الشق التجريمي للنص الجنائي، ومن جهة أخرى فإن الشركة لا تدعي نقل حق عيني على النجوم، هي تقول صراحة بأنها تبيع هذا التخصيص المعنوي لا أكثر ولا أقل! ثم أين الاحتيال إذا كان المشتري قد سلم الثمن عن بينة بحقيقة المبيع؟ إذا لا جريمة؟! التفت لابنتي مستعيرة مقولة فنسنت فان جوخ: يا غاليتي، "أنا لا أعرف شيئًا على وجهِ اليقين، ولكنّ رؤية النجوم تجعلنِي أحلم"، ولذلك يكفيني أن ترسمي لي نجمة...