Atwasat

اللغة مشروع وجود ونهضة. الجزء رقم (1)

فلاني عبدالرحمن الزوي الأحد 27 سبتمبر 2020, 10:57 صباحا
فلاني عبدالرحمن الزوي

عند التفكير في أي مشروع يتعلق بمستقبل أي شعب أو دولة، يتم طرح سؤال عن مدي أهميته وأثره في بقاء ونهضة ومصير ذلك الشعب، ثم توضع الخطط والخرط اللازمة لتنفيذه من قبل المسؤلين عنه وعن تطبيقه، حيث تكون الفكرة قد تبلورت وتحولت إلى مشروع وبرنامج عمل بين أيدي وامانة المسؤولين أو الخبراء المعنيين. وكما هو الحال في تنفيذ أي برنامج سواءً كان تعليميا أو صحيا أو مشروعا تنمويا يتعلق باقتصاد ومستقبل تلك الدولة، فإن الاستثمار والمحافظة على اللغة يعتبر هو أساس التقدم والإبداع لأي أمة من الأمم إذا ما استمثرت في لغتها الأم، والاعتماد على تبني لغة أجنبية كبديل عن اللغة الأم هو انتحار بطيئ واستسلام، وتوقف لعجلة نمو المعرفة والإبداع كما هو حالنا اليوم.

ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو تكرار التشكيك والادعاء بأن دراسة العلوم التطبيقية والتقنية كالطب مثلاً باللغة العربية هو شبح مخيف وأمر شبه مستحيل، بذريعة مفادها أن اللغة العربية لا تواكب علوم ومبتكرات العصر، هذا الهاجس ناتج عن وهم سكن بعض العقول وخوف لا مبرر له، الأمر الذي ترتب عليه فقدان الثقة في لغتنا أولاً ثم أنفسنا وقدراتنا، ولهذا الغول أكثر من سبب ومنها ما يلي:
أولاً، عدم الدراية والمعرفة بمفردات وديناميكية لغتنا العربية وما تحمله قواميسها من مفردات مترادفة تعطي مساحة واسعة للتعبير والتوصيف، في حين هي الأقدر على التعبير الدقيق والشامل، سواءً في مجال العلوم التطبيقية أو الإنسانية دون أي انفصام أو ازدواجية بين الاسم ومدلوله أو ضبابية في وصفه والتعبير عنه.

ثانياً. لقد غاب عن أذهان الكثيرين مقدرة هذه اللغة على مواكبة العصر في مختلف فروع العلوم والمعرفة وما يستجد منها، فلو أمعنا النظر في أمم وشعوب تمسكت ووثقت في لغتها ولسانها كوسيلة للتحصيل العلمي والمعرفي المتجدد، لما انتابنا الشك لحظة واحدة في أن اللغة العربية تمتلك كل المقومات لتلك الغاية والهدف، فبالرغم من فقر مفردات تلك اللغات و قصر عمرها وإرثها الحضاري وشُح رصيدها في تاريخ العلوم، إلا إن تلك الأمم الناطقة والمتخندقة دون لغتها لم تتخلف عن ركب التقدم والاختراعات كما نرى ونشاهد وما ححقته تلك الدول والشعوب من التقدم العلمي والتطور في شتى الميادين بلسانهم وبلغتهم الأم هو أقرب دليل على ذلك.

قد يتبادر إلى الذهن بإن ارتباط المادة العلمية وما تبعها من تطور في مجال الطب على سبيل المثال، له متوالية بدأت من الأساس الجنيني والتشريحي والفسيولوجي وتسمية الأعضاء ووظائفها وعللها ووسائل تشخيصها وربما حتى العقاقير المستخدمة في علاج بعض أمراضها، وإن هذه مجتمعة تُشكل منظومة مترابطة وكاملة، وإذا قبلنا بهذا التعليل، نتساءل أين هي المشكلة والعائق الذي نتخوفه من استعمال لغتنا؟، وهل من غير الممكن تجاوزه؟ وكيف نتهم لغتنا العربية بأنها تقف عائقاً أمامنا في تلقي وتطبيق ونقل هذه العلوم إلى الأجيال اللاحقة بلغتنا نحن؟ ولماذا لا نشرع في تجديد واستحداث مفردات جديدة تضاف إلى قواميسها، وندعم أساسها ونحييها بإرادة وقوة في مراحل التعليم المبكرة، وأين وهل توجد فعلاً عقبة أو استحالة أمامنا في بلوغ هدفنا؟ وهل بالضرورة أن نظل نستمد معرفتنا من المنظومة اللاتينية دائماً، ونظل أسرى لها وللأسماء والمسميات التي اختارتها؟.هذه المخاوف يتم دحضها بما نشاهده أمامنا اليوم، كيف استطاعت كوريا أو اليابان أو كوبا أو بلغاريا أن تواكب تطور مختلف العلوم، بدون الحاجة أو التقيد والالتزام بتلك اللغات التي يُطلق عليها لفظ اللغات الحية كالانجليزية أو الفرنسية. ربما غاب عن ذاكرتنا ما توصل إليه علماء نطقوا ودرسوا وبحثوا باللغة العربية وترجموا إليها من الفارسية واليونانية سواءً من كان منهم عربي اللسان فحسب، أو من كان منهم عربي العرق واللسان والثقافة والتاريخ، ولم يُدرك المشككون أيضاً كيف أن أروبا وعلماءها وما هم عليه اليوم قد وصلوا إليه عندما ترجموا تلك العلوم في الطب والفلك والكيمياء والفيزياء والرياضيات من العربية إلى لغاتهم وتعلموا وأجروا تجاربهم وأبحاثهم بلسانها، وعلموها لأجيالهم بلغتهم هم وليس باللغة المستوردة كما نفعل نحن اليوم عبر قرون من الزمن ولا زلنا حتى هذه الساعة.

لم ندرك بأن تنكرنا للغتنا العربية وعدم ثقتنا فيها والرجوع إليها، كان ولا يزال سبباً من أهم أسباب تخلفنا عن ركب العلوم والتقدم والمساهمة في صنع المستقبل، وإن هذه الحقيقة الدامغة بإمكاننا إثبات صحتها لعلاقتها السببية بالجهل والتخلف والركود الذي نحن فيه والإخفاق الذي نعاني منه.