Atwasat

بقر وكفى!

محمد عقيلة العمامي الإثنين 14 سبتمبر 2020, 03:01 مساء
محمد عقيلة العمامي

للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز أقوال (بليغة) جمّعها موقع - www.hekams.com - وبه وجدت القول التالي: "كفى أيها البقر، فإن الحياة قصيرة "، وأسفل القول وجدت صورة لطفل يمتطي فوهة مدفع دبابة، أما خلفيتها فدمار نتيجة حرب لا يختلف عما حدث في بلادنا.

أعترف أنها (وجعتني! في البقر) لأنني تذكرت، أن مساحة أنيقة أمام مدخل سفارة هولندا في الزمالك زينوها ببقرتين هولنديتين جميلتين، ترمزان للبقر الهولندي أبلق اللون، المشهور بكثرة إدراره للحليب. وتذكرت أنني بعدما رأيت البقرتين أمام السفارة قررت أن أعرف المزيد عنهما، لأنني، ولا أخفى عليكم، أن تتخذ دولة بحجم هولندا هذه البقرة رمزا لها لأبد وأن هناك سببا، خصوصا وأن هذا البقر الأبلق بلونيه الأبيض والأسود تشتهر به. وقادتني قراءتي عن البقر إلى معلومات، لو عرفها "ماركيز" ما كان يلصق الفوضى والعنف بالبقر. فإليكم هذا المقال عن البقر، من بعد استعرت قول مركيز عنوانا لمقالي، وإن كنت قد أخرت كلمة وقدمت أخرى لأبعد إهانة ماركيز للبقر!

البقرة مصنع غذاء متكامل إنها تدر من 20 إلى 25 لترا من الحليب يوميا! بل من الأبقار ما يدر حتى 100 لترٍ. ولكن البقرة سيدة حساسة جدا فقد لا تدر كوبا واحد إن كانت مستاءة من الحظيرة أو أنها لا تحب من يحلبها! الأبحاث والتجارب أثبتت أنها حيوان يلّحُ في صداقة الإنسان، فإن عوملت برفق وحنية فإنها تدر لبنا غزيرا؛ باحث يحكي عن بقرة أخذت تدر 60% أكثر مما اعتادت أن تنتجه من بعد أن تولاها من اعتنى بها وعاملها بالرفق والحنية! ولقد قل إنتاج مزرعة تنتج الألبان بصورة ملحوظة ما إن استخدمت عاملا، اكتشفوا أنه كان يعامل الأبقار بازدراء وصل حتى الركل! وما إن حل محله من أحسن معاملتها حتى زاد إنتاجها بمعدل خمس لترات.

الأبحاث والمراقبة أثبتت أن لكل قطيع من الأبقار ملكة! تتوج بقدرتها في الوصول قبل غيرها إلى المرعى الجيد، فتعامل بمنتهى الاحترام من قبل بقية الأبقار، وهناك تراتبية في دخول الملكة إلى الحظيرة أو الخروج منها، كأن تُفسح لها الطريق، حتى إن وصلت بقية القطيع قبلها لا تدخل أو تخرج من الحظيرة إلا بعدها مباشرة. يقول باحث أنه شاهد قطيعا من الأبقار وصل الحظيرة قبل الملكة، ولكنه وقف في مواجهة باب الحظيرة حتى وصلت الملكة ودخلت وتبعتها حوالي عشرون بقرة هن وصيفاتها! بعدها دخلت بقية القطيع.

لا شك أنكم وقفتم وتدبرتم كثيرا مثلي وقارنتم حالنا بهذا الحيوان الذي لم يخطر ببالى أبدأ أنه رومانسي إلى هذا الحد، فها العلم يكتشف أن الحنية والمعاملة الحسنة تجعل البقر يمنح أكثر، وبالمقابل تقل هذه المنح إن قل الحنان والمعاملة الحسنة، وتداعت أمامي صورة الدعاية الإعلامية التي تبرز أولئك الذين يعزفون مقطوعة (فيفالدي) الخالدة "الفصول الأربعة " لبقرة هولندية، هى أساس زبدة (لورباك) التي لا تحلو "عصيدة النفساء" بدونها. وتذكرت أن العلم اكتشف أن الأبقار التي تنام على موسيقى هادئة تدر حليبا أكثر.

حالنا لا يختلف عن حال البقر، وإن كانت المعلومات عن الثيران شحيحة أو أقل مما هو متوفر عن البقرة. وفي العموم البقرة والأرجح حتى الثور أيضا، يثق بمن يعامله جيدا ويتجنب من يسئ معاملته. وتوضح دراسة دنماركية أنه يكفى أن تضرب البقرة على مؤخرتها حتى تعتاد على اليد التي ضربتها! وأكد بحث نشر في مجلة (العلوم التطبيقية لسلوك الحيوان) الدولية أن الأبقار تتعرف أيضا على الألوان وترتاح للون الأزرق - وليس الأخضر -الذى يرتديه الرعاة الذين يهتمون أو لا يهتمون بها.

أما أعجب المعلومات وأكثرها أهمية للبقر كافة الحفاظ على اللسان! لأنه وسيلة هذا الحيوان في تطهيرها فمها وجلدها أيضا من الميكروبات التي تتسلل إليها مسببة الأمراض فيقوم اللسان بتطهيره. وأن هذا اللسان أقوى من أي مطهر حتى إن كان (ديتول) أصلي ومركز! واكتشفوا أيضا أن البقع السوداء على جلود بعض أنواع الأبقار تعتبر كالبصمة، فلا تمتلك بقرتان البقع نفسها. وأكدوا أيضا أن البقر حيوان عاقل وهو أذكى من الكلب خصوصا في الطاعة!

سلوك الحيوانات كافة أمر رباني، جعله الخالق لخير هذه الحيوانات، فهذا السلوك هو في الواقع وسيلتها في التعبير عن احتياجاتها البيولوجية والنفسية. ولكن قد يقوم الإنسان، الذي وهبه الله العقل والنطق باعتبار أنها وسيلته في التعبير عن احتياجاته، بسلوك ما يلغي ما وهبه الله له من عقل وحكمة ويفضل أن يختار الوسيلة الحيوانية.

كثيرون وظفوا مصطلح سلوك القطيع للتعبير عن حالة تشابه فيها الإنسان بالحيوان. ولكن يبدو أن التشابه لا علاقة له بالقطيع. ألاّ تتفقون معي أن صاحب "رواية 100 عام من العزلة" التي طبع منه 30 مليون نسخة وترجمت إلى 30 لغة لا يعرف شيئا عن البقر!