Atwasat

معركة الكهول الأخيرة

جمعة بوكليب الخميس 03 سبتمبر 2020, 05:58 صباحا
جمعة بوكليب

المسافة الزمنية التي تفصلنا عن اليوم الثالث، من الشهر الحادي عشر، من عامنا الوبائي هذا، تنحسر وتضيق، وليس أمامنا سوى الاستعداد، وربط أحزمة المقاعد، تهيؤاً لما ستفاجئنا به معركة الكهول الأخيرة، أقصد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

الرئيس القادم سوف يكون الرئيس رقم 46، وسيكون واحداً من مرشحين اثنين: الرئيس الحالي ترمب مرشحاً عن الحزب الجمهوري. والمرشح جو بايدن مرشحاً عن الحزب الديمقراطي. وإلى حدّ الآن، استناداً لمؤشرات استبيانات الرأي العام، يتقدم المرشح الديمقراطي بنقاط عديدة على منافسه الجمهوري. لكن، ومن سابق التجارب، نعرف أن استبيانات الرأي العام غير ثابتة، وعرضة للتغيّر، ولملابسات وقوع الخبراء في أخطاء، نتيجة ظروف عديدة. لكن ذلك لا يلغي أهميتها، كأداة ووسيلة قياس تنبوئي لتوجهات الرأي العام، بهدف تخمين نوع الهزّة القادمة سياسياً، ليس على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، بل العالم ولمدة أربع سنوات أخرى. ما يهمّ حالياً، استناداً لآراء المحللين السياسيين، أن موجة الاضطرابات العنيفة في العديد من المدن الأمريكية تعمل لصالح الرئيس الحالي ترمب، مالم يسارع المسؤولون عن حملة المرشح الديموقراطي بايدن إلى وضع حاجز مائي يفصلهم، ويبعدهم عنها. الرئيس ترمب يروج لنفسه على أنه رجل القانون والنظام، ويتهم منافسه بالتراخي والعجز على حماية المواطنين وممتلكاتهم. أضف إلى ذلك، ووفقا لتقارير إعلامية، فإن المؤشرات الاقتصادية الايجابية الصادرة مؤخراً، تحمل الكثير من الأخبار السارة للرئيس ترمب، وبامكانها أن تلعب دورا حاسماً في قلب حظوظه انتخابياً.

ما يميّز هذه الانتخابات الحالية أننا، ربما للمرّة الأولى، نرى مرشحين يتنافسان على رئاسة أكبر دولة في العالم، عسكرياً وتقنياً واقتصادياً، في العقد الثامن من عمرهما. الرئيس ترمب 74 عاماً، ومنافسه بايدن78. هل بامكان أي من المرشحين الكهلين أن يقود السفينة بسلام، ويتمكن من الوصول بها إلى مرفأ الأمان؟ سؤال كثير التردد، هذه الفترة، على ألسنة المحللين والمراقبين. وهو كذلك سؤال ليس مطمئناً، بل ربما يجعل البعض منا يحكّ شعر رأسه تعجباً، كونه مبعثا لقلق وإزعاج وتوتر ومصدراً لشكوك. خاصة، أن العالم، بعد أربع سنوات مضنية، وتحديداً منذ نوفمبر 2016 ، وأزمات تكاد تكون كارثية، اتضح له بما لايدعو مجالًا لشك، أن أحد الكهلين - الرئيس ترمب - أثبت، خلال الفترة الرئاسية المنقضية، أنه قبطان بلا مؤهلات، وتنقصه الحكمة ولا تنقصه الرعونة، ولا يتورع عن فعل وقول أشياء تسيء لكهولته وتضعف من هيبة المنصب الذي يشغله. أضف إلى ذلك، أنه كان محظوظاً لأنه تولى القيادة بضربة حظ، أنزلته بمظلة من عالم الأعمال وألقت به إلى بحر السياسة، ولم يسبق له من قبل قيادة سفينة بضخامة دولة عظمى تقود العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تسمى الولايات المتحدة الأمريكية. السنوات الأربع الماضية، كشفت، كذلك، حقيقة جهله بأبسط قواعد الإبحار، وتجاهله عمداً لأبسط مباديء وأصول القيادة المتعارف عليها. التجربة، أيضاً، تقول إن المرشح الديمقراطي بايدن رغم خبرته السياسية الطويلة، إلا أنه في نظر الكثيرين، مثل الرئيس ترمب، لا يملك مقومات القيادة التي تتيح له الخروج بالبلاد سالمة من أسوأ أربع أزمات واجهتها: أسوأ أزمة وبائية، وأسوأ أزمة بيئية، وأسوأ أزمة اقتصادية، وأسوأ أزمة عنصرية. ومع ذلك، ليس أمام العالم من مفر سوى الجلوس والانتظار حتى الأسبوع الأول من شهر نوفمبر، لمعرفة اسم الساكن الجديد – من المرشحين الكهلين– في البيت الأبيض.

ما يثير الاستغراب حقاً، هو خلو الساحة السياسية الأمريكية من مرشحين يفيضون شبابا وحيوية، وكأن ذلك مؤشر على تمكن الكهول من إحكام قبضتهم، وإغلاقهم الأبواب أمام تقدم جيل أصغر، وأكثر شباباً، واستيعابا لعالم يتحرك بإيقاع سريع، ومختلف.

وعلى أي حال، أتوقع أن تكون الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم آخر معارك الكهول. والسبب أن الفائز بالانتخابات من المرشحين الكهلين، حسب توقعاتي، لن تتاح له فرصة أخرى ليكون رئيساً لفترة أربع سنوات أخرى.

الرئيس ترمب، في حالة نجاحه في الحفاظ على كرسيه في البيت الأبيض، لن يكون بإمكانه، دستورياً، خوضها مجدداً، وسيحال على التقاعد بعد انقضائها. وفي حالة نجاح منافسه الديمقراطي، فإنه على نفس المنوال لن يكون قادراً على مواجهة خوض معمعة انتخابات ثانية في سن الثانية والثمانين. وبالتالي، من الممكن القول، إن الفترة الرئاسية القادمة ستكون بمثابة مرحلة انتقالية، لمرحلة مقبلة سيأخذ فيها التنافس على الرئاسة شكلاً ومحتوى مختلفاً. بمعنى أنني أتوقع، أو بالأحرى آملُ، أن يكون المرشحان القادمان، من جيل سياسي مختلف، وبنظرة مختلفة إلى العالم، وبسياسات أكثر استجابة لمتطلبات الواقع الأمريكي والدولي. وإلى أن يحين ذلك، ليس أمامنا سوى الجلوس والانتظار، مثل غيرنا من شعوب العالم، ترقباً لما ستحمله لنا، عبر أمواج الاطلنطي، رياح شهر نوفمبر من أخبار.