Atwasat

النكتة السياسية.. (قاهرة القهر)

أحلام المهدي الأربعاء 02 سبتمبر 2020, 06:28 صباحا
أحلام المهدي

يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة: "إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم أن الفقر قد أطبق عليهم".

هل هذا ما يحدث الآن في المجتمع الليبي؟

هل أطبق علينا الفقر حتى ترجمناه إلى ضحكات؟

بنظرة سريعة للإنسان الليبي الذي سحقته ظروف البلاد السياسية والاقتصادية والأمنية سنصدق ابن خلدون، فلكل مستبد على هذه البلاد نصيب من لعناتها الصريحة والمموهة.

منذ زمن بعيد كانت الشعوب تحاول الاقتصاص من جلاديها وحكامها بوضعهم في خانة النقص من غباء أو عجز أو قصور مهما كان سببه وذلك احتجاجا على مرتبة الآلهة التي يحاولون دائما وضع أنفسهم فيها أو قريبا منها وخدشا لهالة القدسية التي يحيطون أنفسهم بها، لكن مواقع التواصل الاجتماعي اليوم جعلت وقع هذه "الاحتجاجات المغلفة" أكبر ورقعة انتشارها أوسع.

في ليبيا استطاعت النكتة السياسية الساخرة أن تخترق جدار السلطة العازل وعرفت بذكاء كيف توصل رسالتها، حتى أن البعض دفع حياته ثمنا لهذه السخرية الصريحة.

بعد فبراير 2011 ازدهرت النكتة السياسية بازدهار حقول الفساد والظلم في البلاد، فكانت محاولة لقهر القهر كما قال الفيلسوف الفرنسي برغسون في كتابه "سيكولوجية الضحك"، نعم القهر الذي نحتج عليه بالضحك مستخدمين أقوال بعض المسؤولين أحيانا وتفاصيل كثيرة في حياة الليبي التي صار يتسولها من أصحاب النفوذ، بضع كلمات شديدة الاختصار والرمزية تنتشر مثل النار في الهشيم من أقصى البلاد إلى أقصاها دون أن نعرف صاحبها الأصلي أو نهتم أصلا بمعرفته، هذا لا يهم طالما غسلت الضحكة قلب صاحبها وخففت من حدة التوتر والقلق الذي يعيشه كل ساعة وتحكمت في ترمومتر الحنق والغضب الذي قد يحمله للسلطة.
نحن جزء من كون شاسع لذلك التحقت مصيبة العالم "كورونا" بمصائبنا الأخرى الجالسة على الكراسي ونالت نصيبها من ضحكاتنا، مثل "كورونا تؤكد خلو ليبيا من وزارة الصحة"، وأيضا عندما كانت الحالات "صفر" في البلاد ضحك الليبيون لأن الفيروس تجاوزهم رأفة بهم، لأنه يعلم أن ما بهم من قهر يتفوق على الجائحة بمراحل.

كلها محاولات لامتصاص البؤس من الواقع الليبي وآليات متاحة للدفاع عن بعض كرامة وبعض حقوق، لا نملك ربما إزاء من يملكون المال والسلاح شيئا سوى أن نسلط عليهم تليسكوب الكلمة الساخرة المناضلة التي تتمتع بنفس طويل جعل أعتى الحكومات وأقسى الدكتاتوريات تخصص لها مكانا في أجهزتها الاستخباراتية ووزاراتها الداخلية.