Atwasat

ليبيا المِحنة والتين والزيتون!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 01 سبتمبر 2020, 12:55 مساء
أحمد الفيتوري

(1)

الكل يبكي على الوطن، ولا أحد يزرع، في رصيفه وردة.

(2)
السلفيوم، زهرة ليبيا الأسطورية، التي ضاعت، كما تقول الأسطورة، لكنها حية، بفضل أسطورة الضياع هذه.

(3)
الحكاية ليبية، والسرد يطول، كما زرقة البحر وميتافيزيقا السماء.

(4)
لا تفكر كثيرا، كما لم تختر الحياة، لم تختر الوطن، خيارك أن تذوذ عنهما.

(5)
في مسارات متغيرة، يبدو ضبط مسألة ما، أكثر تعقيدا من حلها.

(6)
أن تحب أخطاءك، هذه الطريقة الوحيدة، للتعلم منها وتجاوزها، وأنك بشر، والبشر خطاؤون، ومنه تحب نفسك والبشر، وترأف بالمخطئين منهم، حتى في حقك، وهذا موقف عقلاني مشوب بالعاطفة الضرورة.

(7)
التطرف في الرأي، ليس رأيا، بل قمع ناعم، حتى لو كان التطرف مع الحقيقة.

(8)
زمان التهمة، عميل الاستعمار، اليوم من جماعة نظرية المؤامرة. في كل الأحوال، لا يخدعون أحدا، غير أنفسهم.

(9)
ذكر لي، أحد عواجيز مدينة بنغازي، أنه عقب الحرب الكبرى الثانية، قام تاجر بجلب "موتور" لتوليد الكهرباء، ما وزعها مقابل مبلغ زهيد، بحيث يسدد المصاريف، وأنه عقب إصلاح المحطة الكهربائية الوحيدة بالمدينة، عين فني ليبي لتشغيلها ليلا، لكن هذا الفني، كثيرا ما جعل المدينة، تعيش في ظلام دامس، اشتكي سكان المدينة، عند من لا يسمع ولا يشبع من جوع، ولما يئسوا من الجهة المسئولة، جعلوا من أنفسهم مسئولين ومحققين، فتبين أن الفني، الذي يعمل في أكثر من عمل، حين يأتي المساء، ويدخل المحطة، يلقي بعباءته الثقيلة بشكل عشوائي، ومن التعب والسُكر يلبسه نوم ثقيل، وكثيرا ما ألقى عباءته على مفتاح الكهرباء البارز، ما يطفيء النور، ويوقظ ظلام المدينة، حين يكون قد نام.

أعجبتني الحكاية، التي لم أرغب في التحقق منها، لأنها وكدت لي ما أعرف، أن ليبيا وخاصة مدينة بنغازي، دمرتها الجيوش الأوربية، في حربها العبثية، الكبرى الثانية، ما تجاوز ضحاياها 50 مليون إنسان، وأن من قام بالبناء وإعادة الإعمار، ليس مشروع مارشال الأمريكي، ما نهض بإوروبا واليابان، بل من قام بذلك أهلها، في مشروع شعبي تطوعي، تكفل إما يمكن أصلاحه، وقد تبرع رجال أعمال وتجار بالمال، بل منهم من تطوع إلى جانب ذلك بالعمل، فيما قام شباب بازالة أثار الحرب.

هناك في كتاب "رسائل من برقة"، للمؤرخ والكاتب الفلسطيني اللبناني نقولا زيادة، رصد لما قام به الليبيون في مجال التعليم، حيث كان نقولا غب الحرب، قدعمل في ليبيا كمفتش بإدارة التعليم، وأما الكاتب والقاص عبد الله القويري، وكذا رمضان عبدالله بوخيط وأحمد العنيزي، فقد رصدوا في قصصهم، هذا الجهد التطوعي، والنهوض الشعبي، في مواجهة ليبيا المحنة، ما لم تكن قد شاركت بأي طريقة في مسبباتها، سوى الجغرافيا وأنها مستعمرة إيطالية، ورغم هذا عانت معاناة هيروشيما، وقد ذكر عبد السلام الغماري في رواية سيروية، أن المجاعة جعلت الليبيين يأكلون لحم البشر.

(10)
هبة النيل هي مصر، أو هكذا يقال، وتونس الخضراء، أو هكذا كنيت، لكن اليونان بلاد صعاب وحروب، وأن كانت أم الفلسفة، وفي هذا حاذتها ألمانيا، البلاد التي ظهرت في الكون سنة 1871م، خاضت الحروب، وأشهرها الحرب الكبرى الأولى والثانية، ما قسمت أثرها لتتوحد سنة 1990م.
حديث البلدان، وما قاست شعوبها لا حد له، لكن كل هذا ذهب في غياهب النسيان، وما تبقي منه نهوضها، وهذا ما جعل غبنها نسيا منسيا. والدرس الباقي أبدا، أن البلدان لا يبنيها العويل ولا التقاعس، فمواجهة المعاناة، من هذا الدرس المتبقي، بالمعاناة نفسها، ولكنها معاناة البناء. والآن مثلا يعلن اللبنانيون انهيار بلادهم، وكذا الكويت من نتائج غزوها، تستدين هذه الأيام 20 مليار دولار، لتدفع رواتب موظفيها، أي المحنة موزعة في الزمان والمكان، كما الحرب والسلام.