Atwasat

تقرير مصير؟!

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 30 أغسطس 2020, 12:04 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

في مقاله "تفكيك السفينة الليبية في عرض البحر"* دلل كاتبه عبد الرحمن هابيل على أن الأقاليم الثلاثة التي تكون ليبيا الحالية كانت تشكل عمقا لبعضها منذ ما قبل الميلاد، وأن عمليات تمازج ديموغرافي بين هذه الأقاليم ما انفكت فاعلة ضمن الإثنيات المكونة للشعب الليبي. و "أن ليبيا كانت موحدة قبل ألمانيا والولايات المتحدة، وأنه كانت في القرن الثامن عشر، قبل أن توجد إيطاليا، قنصليات لتسكانيا وجنوى في طرابلس عندما كانت عاصمة لدولة موحدة تمتد نحو 2000كم على شاطئ المتوسط من الغرب إلى الشرق".

لا أريد هنا أن أمضي في استعراض مقال عبد الرحمن هابيل وأدلته على الوحدة الليبية عبر التاريخ. وشخصيا أرى أن هذا النوع من الطرح، الهاديء الرصين والموضوعي، بالغ الأهمية. لكن، رغم ذلك، تظل الدعوة إلى الفدرالية أو الانفصال، من جهة، والوحدة، من جهة أخرى، مستندة إلى شيء آخر يبتعد ابتعادا هائلا عن الطرح العقلاني الموضوعي. إنه يستند، بالكامل، إلى المواقف المسبقة المتغذية من جيشان العواطف والمشاعر الأولية. فإذا كنت أنا فدراليا أو انفصاليا لن تؤثر فيَّ الدراسات والكتب التي تدحض أسس موقفي، هذا إن التفت إليها أصلا. وكذلك هو الشأن إذا كنت من دعاة الوحدة، فهذا موقف مسبق لا أقبل فيه نقاشا.

إلا أنني أريد أن أتعرض بالنقاش إلى نقطتين استأثرتا بانتباهي في المقال لأنهما بدتا لي من قماش يتنافر مع النسيج العام للمقال.
النقطة الأولى، تأكيده على أن "برقة ذاقت، واقعيا ونفسيا، مرارة الحرمان والإقصاء أكثر من غيرها في ذلك العهد [عهد معمر القذافي]".
نحن نحمد لعبد الرحمن هابيل ابتعاده النسبي، في قوله "أكثر من غيرها"، عن المتطرفين في هذه الدعوى الذين يرون أن برقة خُصت وحدها بنقمة القذافي لحساب طرابلس. والحقيقة، كما تبدو لي، أن القذافي لم يحرم ويُقصِ إقليما من أقاليم الوطن الثلاثة أكثر من أي إقليم آخر أو لحسابه. وإذا كانت طرابلس متميزة ببعض الجوانب الإيجابية عن الإقليمين الآخرين فهذا عائد، بشكل كامل، إلى عراقة طرابلس كعاصمة على الأقل منذ "القرن الثامن عشر، [وأنه كانت توجد بها] قبل أن توجد إيطاليا، قنصليات لتسكانيا وجنوى [حيث كانت] عاصمة لدولة موحدة تمتد نحو 2000 كم على شاطئ المتوسط من الغرب إلى الشرق"، مثلما يؤكد هابيل. وحتى إبان الاستعمار الإيطالي جرى التركيز على تطوير مدينة طرابلس أكثر من أي مدينة أخرى. وكان طبيعيا أن يمنحها هذا الوضع، مثلما هو شأن كل العواصم، ميزات (ولا أقول امتيازات) خاصة. وتميز بعض مدن دولة معينة عن مدن أخرى في نفس الدولة أمر يفرضه التطور التاريخي الذي اكتنف كل مدينة. فمصراتة تتميز عن الخمس وبنغازي متميزة عن شحات، مثلا.

النقطة الثانية، هي أنه رغم تأكيد عبد الرحمن هابيل على أن "دعوات العودة إلى الفدرالية أثناء المنعطف الراهن تنسى أن الفدرالية نظام دستوري لا يمكن إعادته بعد أن ألغي إلا باستفتاء دستوري. كما أن الفدرالية، وإن كانت غير معلنة واتخذت أشكالا للتقسيم مختلفة هذه الأيام، هي خطوة في الظلام، أثناء المختنق الخطير الذي يجثم على البلاد هذه الأيام، إذ قد لا يكون بعدها إلا الانفصال الكامل"، إلا أنه يبتعد عن كلامه هذا بعد قليل حين يقول: "إن من حق الشعب الليبي في برقة أن يُستفتى في شأن الفدرالية استفتاء حرا تحت إشراف دولي". وعلى الرغم من نبرة الاعتدال الواضحة في قوله "الشعب الليبي في برقة"، وليس "شعب برقة" أو "الشعب البرقاوي" إلا أننا، حالة إقرارنا مع عبد الرحمن هابيل "أن الفدرالية نظام دستوري لا يمكن إعادته بعد أن ألغي إلا باستفتاء دستوري" فإن هذا "الحق" الذي يقرره لـ "لشعب الليبي في برقة" ينطوي على مفارقة دستورية. إذ لا يصح، منطقيا وحقوقيا ودستوريا، أن يُعهد لجزء من الشعب في إقليم محدد من بلد ما بتحديد النظام السياسي (ملكي أو جمهوري، فدرالي ‘‘اتحادي‘‘ أو وحدوي) لهذا البلد في استفتاء يقتصر عليه وحده، وإنما يقرره شعب البلد المعني في استفتاء عام على رقعة الوطن برمته. اقتصار الاستفتاء على سكان إقليم بعينه في مسألة كهذه يعتبر استفتاء على "حق تقرير المصير" أي البقاء ضمن جسد الدولة أو الانفصال عنه وإقامة دولة مستقلة، على غرار ما حدث بالنسبة لجزيرة تيمور الشرقية في أندونيسيا وجنوب السودان وكوزفو واسكتلندا، إلخ. وهذا يرفضه عبد الرحمن هابيل في لغة واضحة حين أكد على أن العودة إلى الفدرالية "هذه الأيام [...] قد لا يكون بعدها إلا الانفصال الكامل".

http://alwasat.ly/news/opinions/293235?author=1