Atwasat

الانتخابات الأمريكية القادمة: من هو الرئيس القادم؟

محمود محمد خلف الثلاثاء 25 أغسطس 2020, 12:13 مساء
محمود محمد خلف

(نظرة تحليلية)

تحتل الانتخابات الأمريكية الرئاسية كل أربع سنوات اهتمام الصحف الكبرى والجامعات والمراكز البحثية كظاهرة سياسية تحتاج إلى متابعة قريبة لاكتشاف أنماط السلوك الانتخابي وأشكال وآثار التحالفات الاجتماعية والطبقية والوظيفية أو المهنية ومحل الإقامة، والعمر والجنوسية، والايديولوجيا، والفوارق الفردية إلخ... وعندما يحاول عالم السياسة أو المحلل السياسي فهم الظاهرة ومحاولة التنبؤ يجد نفسه محوطاً بعشرات استبيانات الرأي يومياً، التي تتلخص في نماذج إحصائية ورياضية أصبحت أكثر تعقيداً وتطورا، رغم ما دار حولها من شكوك بعد الانتخابات الرئاسية في 2016 التى فاز فيها ترامب، مما ضعضع الثقة في فعالية هذه النماذج الإحصائية.

وبالتالي من الضروري التوجه إلى أسلوب آخر بدل الاستغراق العميق في الحسابات والرسمومات البيانية والمنحنيات الإحصائية، وبدلاً من التيه بين الأرقام والنسب والمقارنات. هذا الأسلوب في تقديري يتجه إلى التركيز على المواطن الأمريكي: كيف يفكر وكيف يختار وكيف ينظر إلى مرشحه. ولنعطِ مثالا على ذلك للتوضيح. في الأسابيع الماضية أعلن بعض أعضاء الحزب الجمهوري رفيعي المستوى (وهم جهابذة الحزب قِدَماً وكفاحا ورسالةً وأعباءً وخبرةً في تاريخ الحزب) حيث أعلنوا بشكل خاص وعام أنهم لن يعيدوا انتخاب السيد ترمب في نوفمبر القادم.

وقد نظر جميع المحللين والسياسيين نظرة سلبية إلى هذا الإعلان الحزبي، على أساس أن ترمب لن يجري انتخابه. والعكس يبدو لي هو الصحيح. فالمواطن الأمريكي لا يشاطر هؤلاء السياسيين الرأي، بل هذا سيدفعه إلى التمسك بترمب، حيث سوف ينظر إلى هؤلاء نظرة دونية على أنهم تخلوا عن مرشحهم، بينما واجبهم أن يقفوا إلى جانبه ويدعموه كجزء من ولائهم للحزب واحتراما لنتيجة الانتخاب التي وقعت على هذا المرشح داخل الحزب.

إن اكتشاف طريقة تفكير المواطن العادي تحتل أهمية خاصة في التنبؤ بسلوكه الانتخابي. في الأشهر الماضية شنّ الرئيس ترمب حملة شعواء امتدت لفترة طويلة على وسائل الإعلام، وكان يكيل لهم التُهم بالكذب وعدم نقل الحقيقة. وقد كتبت كل الصحف وظهر المحللون يهاجمون ترمب، ويربطون هذا بجوانب أو آثار سلبية على الانتخابات الرئاسية.

والحقيقة أن حكم ترمب على وسائل الإعلام بالكذب يدلّ على فهم عميق للتفكير الأمريكي الشعبي أوللطابع القومي الأمريكي؛ فمنذ ظهور الدعايات التجارية على التلفزيون الأمريكي في الستينات من القرن الماضي، أخذ الأمريكيون فكرة على المبالغة والكذب المصاحب لكثير من هذه الدعايات. وعندما كان المواطن الأمريكي يشاهد هذه الإعلانات والأخبار كان يقول بصوت عال، ملوّحاً بيده في سخرية وعلى وجهه علامات الامتعاض: "ما هذا الهراء، ريّحوني"!(" oh, no،what a hell. give me a break") إذن فالعقلية الأمريكية تعتنق فكرة قديمة عن كذب الإعلاميين ووسائلهم، وليست المسألة جديدة. وعليه فإن ترمب يتعامل تاريخيا مع الموضوع بشكل صحيح، ويهيء الناخب الأمريكي للدعم في الانتخابات القادمة، حيث يشعر الناخب أن ترمب مدرك لكذب الإعلام على عامة الناس.

التنبوء السياسي بنتائج الانتخابات:
منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية فرع من النظرية السياسية، عرف بسياسة التنبؤ أو Astra-Politics ، والذي يهدف إلى التنبؤ بمستقبل الظاهرة السياسية سعياً إلى التحكم في التطور السياسي لهذه الظاهرة. وفي معالجة موضوع من سيفوز في انتخابات نوفمبر 2020، نلاحظ أن الغالبية الساحقة من التنبؤات تتأثر بالميول العاطفية والولاء الإيديولوجي. وقد لاحظتُ من خلال متابعاتي أن معظم الذين تنبأوا بفوز السيد بايدن، المرشح الديمقراطي، يدفعهم عامل الكراهية للرئيس ترامب.

أما عندما تنظر إلى التنافس بين هذين المرشحين، بدون أن تكون محباً أو كارهاً لأي منهما، وعندما لا تكون جمهورياً ولا ديمقراطياً حزبياً، وعندما تنظر إلى المعطيات المتوفرة نظرة موضوعية محايدة، فإنك تستطيع أن تصل إلى توقع هو أقرب إلى ما سيقع. في انتخابات العام 2016، عندما توقعتُ فوز السيد ترمب، كان تقريبا لا يوجد إلا القليل يوافقني هذا التوقع.

إن مقارنة ظروف الحملة الانتخابية لترمب عام 2016 مع حملته الانتخابية للعام 2020 تتيح لنا فرصة أفضل لرؤية الحالة الراهنة. لم يكن أحد يعرف ترمب على مستوى الحياة السياسية. بل عرفت به وسائل الإعلام كرجل أعمال غنيّ ناجح. الآن الشعب الأمريكي عرف ترمب كرئيس للولايات المتحدة، وما أنجزه خلال السنوات الأربع في مستويات معدلات نمو الاقصاد الأمريكي، وحجم العمالة أو فرص العمل التى وصلت كلها أرقاما قياسية، ومعدل الفائدة، ومؤشر دوجونز.

وعلى مستوى وباء كورونا، كان ترامب يواجه الصحافة يوميا ويرد على ملاحظاتهم وانتقاداتهم؛ وتظهر الإحصاءات إنفاق حكومة ترامب أكثر من 6 مليار دولار مساعدات نقدية مباشرة لشرائح واسعة من الشعب الأمريكي لمواجهة أعباء الحياة، وتم الكشف عن أكثر من 72 مليون شخص وهو يشكل 21 في المائة من سكان الولايات المتحدة وهو رقم كبير في فترة قياسية.

في توقعي أن التنافس بين المرشحين سيكون حادا، ولن يختلف كثيرا عن توزيع تأييد الولايات في 2016، ويظل حاسما تحديد موقف تأييد 3 ولايات وهي ميشيجان وبنسلفانيا ووسكانسن، وهي الولايات الثلاث التى كان مصير المرشحيْن فيها معلقاً حتى اللحظات الأخيرة لصالح ترامب بفارق لا يتجاوز 70 ألف صوت.

وإذا صدقت الرؤية فإن ترامب سوف يفوز بفارق يشبه نتائج عام 2016.