Atwasat

قومنة اليهودية

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 23 أغسطس 2020, 11:55 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

لم أتفاجأ بمعاهدة "التطبيع" بين البلد العربي المسلم، الإمارات العربية المتحدة، والكيان العنصري الاستيطاني الصهيوني، إسرائيل، وأعبأ بالمفارقات المتمثلة في تقديم هذه المعاهدة على أنها "معاهدة للسلام بين الإمارات وإسرائيل" والوعد بأن هذه المعاهدة ستجلب السلام والاستقرار للمنطقة.

وعدم التفاجؤ هذا ناجم من قناعة راسخة بأن العديد من الدول العربية أنشأت اتصالات سرية مع إسرائيل، على الأقل منذ ستينيات القرن الماضي، وكانت تخشى إظهارها إلى العلن بسبب الخوف من ردة فعل الشارع الوطني العربي المعادي للاستعمار والمدفوع بالحماس القومي، من جانب، وتأثير الأنظمة القومية المتمثلة حينها في النظام الناصري في مصر والنظامين البعثيين في سوريا والعراق والنظام الليبي بعد سنة 1969. إضافة إلى سبق وجود خطوات واضحة من قبل دولة الإمارات في هذا الاتجاه منذ وقت طويل.

وانا أتفق هنا مع سالم العوكلي في ما ذكره في مقاله "العقوبات والتطبيع والعظمة المقوَّضة"1 من أن "الحبل سيكون على الجرار فيما يخص التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني" بغض النظر عن عزوه الدافع وراء الاستمرار في جر هذا الحبل إلى " البعبع الإيراني [الذي] مازال يتسكع في المنطقة ويهدد فعلا دول الخليج للدرجة التي أصبح معها يشكل خطرا راهنا أكثر من إسرائيل". فالعلاقات المكتنفة بالكتمان بين بعض الدول العربية وإسرائيل، خوف الوشاة، تعود، مثلما أشرنا، إلى زمن بعيد لم يكن فيه "البعبع الإيراني يتسكع في المنطقة". وأنا معجب باستعارته الطريفة، والمعبرة عن واقع الحال فعلا، حين يقول "... إعلان تطبيع أي دولة عربية الآن أو مستقبلا [مع إسرائيل] يشبه فقط إعلان قصة حب قروية كانت في طيي الكتمان".

إلا أن النقطة الأهم التي أجد نفسي متحفزا لمناقشتها في مقال سالم، هي وصفه اليهودية بأنها قومية. فاعتبار اليهودية قومية وليست ديانة فقط. أو أنها ديانة تختص بشعب معين. هي دعوى باطلة. ذلك أن اليهودية ديانة مثلها مثل الديانات الأخرى، كالبوذية والمسيحية والإسلام، ليست مقتصرة على مجموعة بشرية إثنية محددة. فالأرمن والأكراد، مثلا، شعبان بالمعنى الآنثروبولوجي. على حين أن اليهود والمسيحيين والمسلمين، أتباع ديانات وليسوا قوميات 2.

ونحن مضطرون هنا إلى العودة إلى التاريخ القديم ومضطرون إلى إيراد شاهد طويل من كتاب3 يعالج هذه المسألة:

"... المنطقة التي كانت نواة مملكة إسرائيل لم تكن ذات طابع إثني مميز مع بداية عودة الاستيطان إلى الهضاب المركزية، ومفهوم إسرائيل لم يكن له وجود. ثم بدأ التكوين الإثني بالتوضح في سياق عملية التوطن خلال عصر الحديد الأول. ذلك أن توطيد التبادل التجاري المحلي، قد أدى تدريجيا إلى تشكيل بنى سياسية بدائية على شكل عشائر تقاربت تدريجيا، ثم قادت المركزية السياسية المتزايدة، والتي أملتها الشروط المتعلقة بإدارة نظام اقتصادي دخل مرحلة الازدهار، إلى تكوين الدولة وبناء مدينة السامرة. وبذلك يكون الطابع الإثني لمنطقة إسرائيل، قد جاء نتيجة عملية معقدة وطويلة، ولم يكن سابقا عليها. وهذا يعني أن استخدام مصطلح إسرائيل للدلالة على أرض أو على شعب أو على تكوين سياسي، لا معنى له قبل ظهور دولة إسرائيل السياسية في مطلع القرن التاسع [ق. م]، ولا معنى له بعد دمارها النهائي 721 ق. م." ( 205- 206) وكذلك هو الشأن بخصوص مملكة يهوذا "التي لم يرد ذكرها في السجلات الآشورية إلا نحو نهايات القرن الثامن قبل الميلاد، وعندما بدأت مملكة إسرائيل في الأفول" (3: 208). أما الديانة اليهودية فقد تمت صياغتها بعد الاحتلال الفارسي لفلسطين (خلال القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد) ولا علاقة لها بالتاريخ الإسرائيلي (3: 16). ولقد جرت صياغة هذا الدين مع تنفيذ سياسة إعادة التوطين الفارسية التي لا يبدو أنها كانت ملتزمة بالوحدة الإثنية لمن يعاد توطينهم (3: 328- 29).

إن تمحيص هذه المسألة يكتسب أهميتين بالغتين. الأهمية الأولى تتعلق بالجانب الموضوعي العلمي الذي يتوخى، قدر الإمكان، تقديم الأمور والوقائع على حقيقتها. أما الأهمية الثانية فسياسية ونضالية بامتياز. إذ تعري المزاعم الصهيونية بامتلاك اليهود، كقومية ودين، حقا تاريخيا عريقا ووطيدا في فلسطين، وتفضح الدجل الصهيوني غير اليهودي، الغربي على نحو خاص، الذي يسوق لهذا الزعم ويحاول تغطيته برداء علمي زائف.

هوامش:
1- http://alwasat.ly/news/opinions/292544?author=1
2- بشأن إشكالية مصطلح التطبيع واليهودية انظر: عمر أبو القاسم الككلي، تطبيع ما ليس طبيعيا: http://alwasat.ly/news/opinions/269862?author=1
3- فراس السواح، آرام دمشق وإسرائيل (في التاريخ والتاريخ التوراتي)، ط 5، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق- سوريا، 2017.