Atwasat

العلاقات الإثيوبية المصرية والصراع على مياه النيل (8): الموقف الأوروبي

محمود محمد خلف الثلاثاء 18 أغسطس 2020, 08:46 صباحا
محمود محمد خلف

تنظر أوروبا إلى منطقة حوض نهر النيل بعين الاعتبار كمنطقة إستراتيجية في السياسة الدولية وكعامل حيوي في ضبط سياسات الهجرة الأفريقية إلى أوروبا في حالات الفوضى وعدم الاستقرار الإقليمي.

ومن هنا كان اهتمام دول الاتحاد الأوربي بزعامة ألمانيا بالتفكير في التوصل إلى حل دائم للنزاع على مياه النيل بين مصر وأثيوبيا حتى لا تضطرب الأوضاع هناك. وبالنظر إلى أن الدول الأوروبية تربطها علاقات جيدة ووطيدة مع الدولتين، كما الحال مع أمريكا وروسيا والصين؛ فإن جهود الاتحاد الأوربي هي امتداد للجهود الدبلوماسية الأخرى، ودعم للتوجه السلمي في معالجة هذا النزاع.

ويعتقد الأوروبيون أن جهود الوساطة الأمريكية التى سادت خلال عام 2019 لم تثمر في تحقيق اتفاق ملموس في النزاع، وأنه كلما طال تأجيل الوصول إلى نتائج جوهرية، تأكد الاعتقاد بأن المفاوضات وحدها لن تكون كافية لحل النزاع.

والطرح الأساسي في الفكر الاوروبي، وخصوصا المبادرة الألمانية، يميل إلى تطوير نظرية التعويض مقابل امتيازات السد الأثيوبي التى سنتعرض لها.

ويرى الأوروبيون أن مصر اعتمدت على الاتفاقيات التاريخية في ضمان حقوقها في المياه وعلى الاتفاقية مع السودان في 1959، وهي مجموعة الاتفاقات التى تضمن لمصر 55.5 مليار متر مكعب من المياه، والسودان 18.5مليار متر مكعب. وتجاهلت مصر أن أثيوبيا لم تكن طرفاً حتى في المفاوضات.

كما لاحظ الأوروبيون أن مصر لابد أن تنظر بعين الاعتبار إلى 60 في المائة من الشعب الأثيوبي يعيشون بدون كهرباء.

ويقول الأوروبيون أن مصر تخضع لضعوط كبيرة؛ فهي تعتمد على مياه النيل التى تعتمد على الأمطار التى تهطل من أعالي الهضاب الإثيوبية، وهى الأمطار التى الآن حبيسة في خزانات سدّ النهضة. وما يحمل ذلك من أضرار على منسوب مياه النيل في مصر. ومن ناحية أخرى، فإن مصر سوف تعاني من ندرة المياه مع سنة 2025 حتى بدون تعبئة سدّ النهضة حسب تقارير الأمم المتحدة .

نظرية التعويض مقابل مزايا السدّ:
يذهب التفكير الأوروبي الآن إلى أن جميع الاتفاقات السابقة بما فيها اتفاق حوض دول الحوض الأوروبية لم يحالفها النجاح نسبياً، ويطرح الأوروبيون نظرية التعويض؛ والتى تتلخص في أن تقدم مصر تعويضاً إلى أثيوبيا في مقابل مواجهة النتائج السلبية الناجمة عن تعبئة خزان النهضة ببطء قد يصل إلى 20- 25 سنة بدل 6 سنوات، والتعويض يغطي التقديرات المالية للطاقة التى كان بإمكان أثيوبيا إنتاجها وقيمة المشروعات الممكنة بقدرات الطاقة الكهربائية المتوقعة. ونظرا لغموض المعلومات المتوفرة في هذا الصدد، فإن الاقتراح يتضمن مفاوضات بين البلدين يشترك فيها البلدان وألمانيا وشركاؤها الأوروبيون، كما يمكن مشاركة دول الخليج في التمويل. وتستفيد مصر بالمقابل بالحصول على ما تحتاج إليه من مياه نهر النيل. وفي مواجهة الجفاف، تقوم أثيوبيا بتسريح الكميات المحبوسة في خزانات السدِّ حسب الحاجة. ويعتقد الألمان أن الموارد المالية المقدمة التى تهدف إلى استقرار منطقة حوض النيل التي يقطنها ربع مليار نسمة، ولكن هذا الدعم وضع له الأوروبيون شروطاً تتعلق بأداء النظام السياسي المصري؛ حيث يشترط هذا الطرح إعادة توجيه الانفاق الحكومي وترشيد السياسات الداخلية؛ والتوقف عن سياسات التسلح العسكري، والتخلي عن بناء المحطة النووية، والتوقف عن التوسع العمراني المتمثل في بناء المدن في المناطق الصحراوية التى ستستنزف المياه؛ وغيرها من الشروط التى قد ترفضها الحكومة المصرية، وتنظر إليها كتدخل في شؤونها الداخلية.


ومن هنا يمكن أن نتصور أهمية النظرية الألمانية، ولكن يعيبها تلك الشروط المجحفة؛ والتى قد تجعل نجاح المبادرة بعيد المنال.