Atwasat

إيدولوجية الدين، الحرية والعدل والأخلاق.

فلاني عبدالرحمن الزوي الأحد 16 أغسطس 2020, 12:57 مساء
فلاني عبدالرحمن الزوي

تجلت الحرية وبرزت في أسمى معانيها وأعلى مراتبها ألا وهي حرية اختيارالعقيدة بنص القرآن الصريح في قوله تعالى، (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) الآية 256 سورة البقرة. صدق الله العظيم.

ثانياً. الحث على إقامة العدل وتأدية الأمانة كما في قوله تعالى. (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) الآية (58) سورة النساء. صدق الله العظيم .

ثالثاً. التربية والأخلاق والآداب العامة، بدأت بوصف الخالق للنبي في قوله (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) الآية (4) سورة القلم. صدق الله العظيم. ونزلت كذلك في منهج تربوي واضح المعالم في سرد القصص القرآني لوصية الحكيم لقمان لابنه (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) صدق الله العظيم. سورة لقمان.

هذه المبادئ والأسس والقيم هي التي تعكس الإيدولوجية الحقيقية للدين الذي به جاء محمد صلى الله عليه وسلم وكما أمرالله به عباده، وختم الله إرسال الرسل والأنبياء للبشرية، (ما تبقى كلها تشريعات وشعائر وقوانين تنظيم الأسرة والفرد والمجتمع من زواج وطلاق وقوانين الوصية والميراث، كذلك في منهج الحرب والسلم والتجارة والمعاهدات بين الدول وما تبقى من سرد قرآني يتمثل في الإعجاز الرباني والدلائل القاطعة على صدق الرسالة المختومة بخاتم النبوة ومنبعها الذي جاءت منه، وما عليه وما سيكون عليه الخلق المنظور وغير المنظور في السموات والأرض، ليصبح دليلا قاطعا على صدق الرسول والرسالة التي حملها ومصدرها الرباني)، بهذه الكيفية نزلت التعاليم وهكذا حددها رب العالمين، أمر الله الإنسان باتباعها، وربى نبيه عليها وهو بدوره علمها لصحابته وسنها للإنسانية قاطبة، وهي لا زالت وستظل المنهج المتبع في كل المجتمعات ونجده يتجسد في قوانين صاغها ويحتكم إليها معظم سكان الأرض اليوم، تاجها وذروة سنامها هي الحرية وإلى قيام الساعة.

لقد أرسل الله الرسل داعين لعبادته دون شريك كشرط وأن الشرك لن يغفره الله للإنسان ولكن يغفر دون ذلك لمن يشاء من عباده، ومن قمة التوحيد إلى إزالة الأذى من الطريق وإعطائه حقه والسير فيه بتواضع، وأدب الحديث وخفض الصوت كما جاء في قوله تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2). صدق الله العظيم. سورة الحجرات،. وقوله (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا). سورة الإسراء، كل هذه القوانين والأحكام صدح بها محمد عليه الصلاة والسلام وتحمّل في سبيل نشرها الصعاب والأذى والمخاطر، بدأت نشأته وتربيته على تلك القيم والأخلاق منذ طفولته، الصدق والأمانة كانا الجناحين اللذين نبت ريشهما من زغب طفولته بالرغم من فقده الوالدين وهو لا يزال رخو الجناح، فتولى تربيته عمه ورعاه وأدبه ربه فأحسن تأديبه إلى أن اشتد عوده وأصبح مؤهلاً لحمل الرسالة الخاتمة، فبهما حلّق سابحاً فوق رمم الأوثان وجماد الأصنام والأفكار الضحلة الراكدة في مستنقع الشرك والجاهلية الآسن، صفات الصدق والأمانة لم يستطع خصومه إنكارها فيه لا قبل بعثته فحسب بل حتى بعدها، إئتمنوه وهم له أعداء وقد أنكروا رسالته وكذبوه وحاربوه بسببها.

هو وحده -أي الله- الذي يعلم من ضل عن سبيله ومن اهتدى، ففي هذا إخلاء للنبي من المسؤولية ومن تبعات الضلال أو فضل جزاء الهداية سواءً لمن ضل أو من اهتدى من البشر سواءً في حياته أو من بعده صلى الله عليه وسلم وإلى قيام الساعة، قال هو عن نفسه صلوات الله وسلامه عليه، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وكذلك شهد له الله بها كما ورد في الآية أعلاه، ليدرك من غفل ويذّكر من نسي ويعلم من لم يكن يعلم، بأن له رصيدا سابقا من القيم والأخلاق كتمهيد وتأهيل من ربه عزّ وجلّ لتبليغ الرسالة وأقسم له بأنه ما ودّعه وما تركه وقد شرح صدره للإسلام ووضع عنه وزره في عناء البحث والحيرة، وأهّله لحمل مشعل رسالة الإسلام التي لن تنطفي حتى تعم الدنيا ومن عليها.(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33). صدق الله العظيم سورة التوبة.

قام صلى الله عليه وسلم بتبليغها، وربى وحث آل بيته عليها ومن حوله من الصحابة وتعامل مع الملل الأخرى داخل نطاقها، جاء ليرسخ قيم الحرية والعدل والتعايش بسلام بين الناس على اختلاف مللهم وأعراقهم، ليبني ويؤسس لصرح دولة العدل والمساواة وحرية العبادة وحق الاختيار واحترام الإنسان، في مجتمع تعددت ألسنته التي يتحدث بها أهله، هاجر إلى يثرب وهو الذي بدّل اسمها إلى المدينة كرمز وعلامة تحمل معنى ومضمون المدنية والحرية والمساواة وحق تقرير المصير، فكانت الشورى أهم الأسس والتي جاءته أمراً سماويا، فلم يكن اسم المدينة بمحض الصدفة أو مجرد اسم بلا غاية وهدف، فأقر الدعوة لله دون عسف أو تكفير، وبلا تهديد بالقتل أو قطع الرؤوس أو التفخيخ وخطف الأبرياء والتمثيل بالجثت، فقد أمره الله في محكم آيات الكتاب ليوضح ويحدد له مهمته التي أرسله لأجلها حين قال، (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصيْطِرٍ (22) ). صدق الله العظيم. سورة الغاشية. وقال أيضاً، (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). صدق الله العظيم. سورة الكهف.

الغلو والإكراه والظلم وهضم حق المرأة وعبادة الفرد وسطوة الحاكم وجبروته وعدم القيام بمحاسبته ومثوله أمام القضاء، ومصادرة حرية الكلمة وتكميم الأفواه، كل هذه الأشياء مخالفة لتعاليم الإسلام ولا تحمل إيديولوجيته ولا رسالته التي أمر الله الناس باتباعها دون تبديل أو تغيير.

سوف لن تنهض أي أمة من الأمم ما لم تكن الحرية في إطار القيم والأخلاق والسلوك الإنساني هي المحرك والمنهج والمبدأ، كل الأمم التي تطورت ونهضت في الماضي والحاضر نجدها أمما حرة تحكمها قيم وقوانين أساسها العدل وإن كانت كافرة، وأن أي شعب أو أمة تفتقد للحرية هي أمم وشعوب في الدرك الأسفل من التخلف والاتكالية والضعف والهوان.

الدين الاسلامي ليس به أي نقص أو شائبة، دين يحث على العلم والعمل والصدق والأمانة ومكارم الأخلاق وإقامة العدل والمساواة بين الناس ونبذ الظلم وتحريم الغش والتزوير والرياء، وتجريم القتل بأبشع الصور وأنكلها عاقبة.

نحتاج كأمة إلى إعادة قراءتنا لتعاليم الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم قرآناًً تولى الله حفظه من التحريف، وسنة تركها نقية قولاً وعملاً، لا تخالف محكم الكتاب وتستند إليه وتستقي منه ولا تختلف عن محكم آياته في أي أمر، (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1). صدق الله العظيم. سورة فُصلت.


هكذا هي تعاليم الرسالة المحمدية من أساسها وكما شهد عليها واتبعها الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وهذه هي الأيدولوجية الوحيدة للإسلام قبل أن يتم تحريفها والادعاء بما ليس له علاقة به ومنسوب إليه من القول والعمل صلى الله عليه وسلم.