Atwasat

الحيوان لا يغدر

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 16 أغسطس 2020, 12:48 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

الخيانة والغدر، وهما اسمان لمسمى واحد تقريبا، صفتان تتصلان بالإنسان، وليس بالحيوان. فمنذ أن ظهر الحيوان المنتصب القامة وصار قادرا على استعمال بسيط ومحدود للأداة، ثم تطور فرع منه إلى ما نعرفه اليوم بالإنسان، الذي صار أكثر قدرة على ابتكار الأدوات واستخدامها وانفصل، بذلك، عن عالم الحيوان، اكتسب سلاحا جديدا غير مادي، هو سلاح العقل. فكف عن أن يكون حيوانا بين الحيوانات، وإنما تحول إلى كائن آخر مختلف عنها، وصار سيدا لها وسيدا للطبيعة، وأصبح حيوانا عاقلا. سلاح العقل هذا جعله يبتكر حيلا للدفاع عن نفسه إزاء أعدائه من مملكة الحيوان التي "انشق" عنها. من ضمن هذه الحيل الغدر والخيانة. فالحيوانات لا تخون أعداءها ولا تغدر بهم. إنها تواجههم وتهاجمهم مباشرة. ولا يتنافى هذا مع واقعة أن الحيوانات المفترسة تترصد صيدها وتتسلل بحذر كي تهاجمه. فهذه عمليات محدودة. إنها لا تنصب الكمائن وليست لديها القدرة على القتل من بعد ونصب الفخاخ.

في البداية طور الإنسان حيلة نصب الكمائن للحيوانات، وقتلها عن بعد معقول عن طريق قذف الرماح والأحجار وإطلاق السهام. وهو معذور في هذا لأن الطبيعة كانت ضنينة عليه بتزويده بالأسلحة التي زودت بها بعض الحيوانات الأخرى، فليس بمستطاعه الاشتباك معها في قتال أعزل، مثلما يمكن لنمر الاشتباك مع نمر آخر. وأيضا لم تزوده بقدرات أخرى خاصة يمكن أن تنجيه من الخطر مثل قدرة الأرانب والغزلان على الفرار والهرب.

لم يتوقف استخدام الإنسان لهذه القدرة القتالية غير الحيوانية على مجابهة الحيوانات فقط، بل أخذ يستخدمها ضد غيره من منتصبي القامة أصحاب العقول، وأصبحت الصراعات والمعارك في هذا المجال تدور بين العقول حيث تراجع إلى حد ما الاعتماد على القوة البدنية. فأخذ ينصب الكمائن ويقوم بغارات مفاجئة في غفلة من أعدائه. كما أنه طور إمكانيات القتل عن بعد. وبذلك أصبح خوض المعارك فنا، وليس قدرة بدنية موهوبة طبيعيا.

الغدر والخيانة لم تظلا حيلتين تستخدمهما الجماعات البشرية في الصراع في ما بينها لأسباب تتعلق بحياة الجماعة، بل انتقلتا إلى العلاقات الفردية المباشرة، حيث يمكن أن يخون الصديق صديقه والأخ أخاه ويغدر به.

انتقلتا أيضا إلى بلاطات السلطة والحكم، حيث تحاك الدسائس والدسائس المضادة وتنسج المؤمرات المتعارضة، فتنفذ الاغتيالات وعمليات القتل المتنوعة.