Atwasat

ليبيا 1970 «1-5»

سالم الكبتي الخميس 13 أغسطس 2020, 10:12 صباحا
سالم الكبتي

اكتمل العام الذي رحل وانهمر الكثير من المطر في الشوارع في ديسمبر. العام 1969 آخر العقد السادس من القرن العشرين، مضى ورحل، طوى سجلاته في التاريخ، انقضت أيامه على تغيير حدث في البلاد الهادئة لم يحسب حسابه أحد.

ثم مطلع العام الجديد 1970، بداية السبعينات، المزيد من الصقيع والتماس الدفء، يقارب ذلك القرن أيضا على الاكتمال، لا تزال عقود ثلاثة، ماذا تخبئ؟

الليبيون شهدوا التغيير الذي طرأ، عايشوه، صفقوا له، خرجوا في مظاهرات ومسيرات لم تتوقف سوى في ساعات حظر التجول، لم يعرفوا في الغالب قادة التغيير، أناشيد وأغان وطنية، مصطلحات وعبارات تظهر بقوة: الثورة، الاشتراكية، العهد البائد، العروبة، القومية، الوحدة. ثم انتهى حظر التجول في المدن والقرى والواحات، دام مدة ثلاثة أشهر من سبتمبر وتوقف في ديسمبر.

نقاشات وتبدلات وعاطفة وحماس، والصحف المستقلة تعاود الصدور. الصادق النيهوم يراقب من بعيد ما يحدث وراء الباب الجواني، وينتقد إلغاء تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، ويوجه رسالة عبر جريدة الحقيقة إلى وزير الوحدة والخارجية عن الوحدة التي علا خطابها العاطفي في الشارع والصحف وعلى مستوى المسؤولين مع مصر دون تعقل، ويشير إلى أنه كلما فتح الله باباً للإنسان أقامت الفلسفة أمامه زنزانة.

وخليفة الفاخري ينطوي على أحزانه وصدمته ويواصل مقالاته السياسية بمقالة عنيفة وشهيرة عنوانها «نقطة الانطلاق»، صرخ خلالها في وجوه الكتاب الذين بدلوا جلودهم وصاروا يزفون الشعب إلى نعيم الوحدة، ويختم ذلك المقال بأنه يخشى أن تظل الأمور كما هي وتصبح الثورة مجرد لافتة على دكان يحمل نفس البضاعة. ثم ينطوي الفاخري أكثر على نفسه، ينشر آخر مقالاته «تذكرني هناك» في بداية العام، ويغادر إلى بريطانيا في رحيل من أجل الدراسة ويعود بعد عام ليواصل النشر.

رشاد الهوني يتأخر عن المواصلة في بابه الأسبوعي «من يوم ليوم». قالوا له توقف، وشرع الادعاء العام في تجهيزه للمحاكمة بعد فترة مع زملاء آخرين. تتوقف جريدة الميدان في طرابلس أو تُوقف، وفضل صاحبها فاضل المسعودي الخروج من البلاد. المقدم موسى أحمد وزير الداخلية كان له وقفة طيبة معه في تلك الظروف، ساعده وأنقذه من كارثة ومواجهة مع السلطة، التي هددته بالقتل. استقر به المقام منذ تلك الأيام حتى الرحيل إلى رحاب الله بعد نحو أربعين سنة بعيداً عن الديار.
ناقش المسعودي مقالاً نشره الصحفي المصري أحمد بهاء الدين في مجلة «المصور» اقترح فيه مشروعاً وحدوياً للتكامل بين مصر والسودان وليبيا، الأرض سودانية، والخبرات والكفاءات مصرية، والأموال ليبية، ولم يعجب نقاش وردود المسعودي السلطة في ليبيا، اعتبرتها قنابل مضادة للوحدة. في العشرين من أكتوبر تصدر السلطة أول أعداد جريدة الثورة برئاسة محمد عبدالرازق مناع.

مطلع العام 1970
أعلن عن أسماء أعضاء القيادة الذين يشكلون نواة تنظيم «الضباط الوحدويين الأحرار». كان بدأ أثناء الدراسة في الكلية العسكرية في بنغازي ثم انتظم من تسعة من الطلبة على شاطئ طلميثة خلال المشروع الخارجي للكلية صيف 1964. الإعلان تضمن اسم الرئيس وعضوية أحد عشر ضابطا، أغلبهم من الدفعة السابعة العام 1965 واثنان من الدفعة الثامنة العام 1966، ثم رأس عقيدها بعد مطلع العام بأسبوعين ثاني حكومة في العهد الجديد، الأولى كانت برئاسة محمود سليمان المغربي، الذي خرج من السجن إلى رئاسة الحكومة، وضمت الجديدة الثانية وزراء عديدين، مدنيين وعسكريين من الأعضاء أصبحوا فيها أيضا، القيادة والحكومة اجتمعت لديهم.

ثم فتحت الطرق إلى المعتقلات، بدأت هنا محاكمة بعض الرفاق العسكريين، آدم الحواز وموسى أحمد وزملائهما، البعض زج بهما ولا علاقة لهما بالموضوع. محمد جمعة الشلماني «السليني» ومفتاح الشارف، على سبيل المثال وشايات جعلتهما في القفص. المحكمة جرت في معسكر باب العزيزية، صدرت الأحكام، كان رئيسها محمد نجم في مستوى لم يتدن إلى أحكام قاسية وشديدة، راعى ونظر إلى أمور كثيرة وكان موفقاً إلى حد كبير في ذلك. لم تعجب الأحكام الجانب الآخر والقوي، تشكلت محكمة أخرى دون نجم، وأصدرت أحكامها اللاحقة إعداماً ومؤبداً وسجناً بمدد متفاوتة.

ثم تتالت الصور والمشاهد: في مايو، ندوة الفكر الثوري، الرقابة على الصحف، القبض على محاولات جديدة لمواجهة النظام وإسقاطه، فزان، عملية هيلتون، المنشور، الأبيار، التعذيب، التحقيقات المريرة، تقارير فتحي الديب إلى عبدالناصر.

منذ خمسين عاماً، ماذا جرى في تلك الأيام؟!