Atwasat

من ليبيا ما يأتي و لا يأتي (1-2)

أحمد الفيتوري الثلاثاء 04 أغسطس 2020, 01:09 مساء
أحمد الفيتوري

لما شرعت في كتابة "سيرة بنى غازي"، أخذت أقرأ ما قرأت وما لم أقرأ، من تاريخ ليبيا، وتاريخ بنغازي على الخصوص. وقد هالني التداخل مع التاريخ العالمي، خاصة زمن الحروب، منذ مجيء الفنيقيين فالرومان إلى المنطقة، وقبل الحروب التي نشأت، بين سكان ما يعرف اليوم ببرقة، وبين دول الفراعنة أو ما يعرف اليوم ببرَِ مصر. وقد تبينت من خلال هذه المطالعة، التداخل بين سكان البحر المتوسط، ما تحول إلى وسيلة اتصال، فتنقل وهجرة، ومن هذا فأي منطقة من حوض ذا البحر، شكلها سكانه بتداخل بين الأعراق، ليس كمثله شيء، مما أنتج تشابكا ثقافيا، وتناقلا معرفيا تاريخيا، فكان البحر المتوسط، الأسطورة النبع، لكل الأساطير والحضارات المنتجة لها.

الجغرافيا تبين أن ليبيا عقدة الوسط الجنوبي للبحر المتوسط، وأن ترامي أطرافها، جعلها حلقة الوسط الرئيسة والأهم، وأن الصحراء الكبرى، تكاد أن تكون الصحراء الليبية، أوجلها على الأقل. وعقدة الوسط هذه، المعبر بين الجنوب والشمال، فكانت القوافل البرية والبحرية، الشبكة العنكبوتية بين القارات، كان الجمل سفينة الصحراء، ما يمثل الجزء البري لهذه الشبكة، فيما السفن تمثل سيرة بنى غازي للشبكة، فكانت ليبيا ميناء ومحطة، الهجرة والمهاجرين.

وأيضا عند المرحلة المعاصرة، بانت ليبيا كمحطة رئيسة، في الحرب العالمية الكبرى الثانية، أي أيضا عند تطور وسائل الحرب، هذا التطور الهائل، كانت ليبيا محطة رئيسة في شبكة هذه الحرب. وعلى ذلك أخذت أبحث، وأقلب في تاريخ هذه الحرب، ما كان من شخصياتها الرئيسة: ثعلب الصحراء رومل القائد العسكري الألماني، ومونتجمري القائد العسكري البريطاني، وكانت برقة ساحة حربهما، واتخذا من بنغازي قاعدة رئيسة. على ذلك قرأت مذكرات كل منهما، ما بينت أن كلا منهما حقق مجده العسكري، وتجربيته الذاتية، على الأرض الليبية، التي فيها صادفا غودوا، ما يأتي ولا يأتي!.

• بورتريه مونتجومري!
الذئبة ترضع جراءها السبع، فيما الثعلب يعيد الاستلاء على الساحة؛ لمرات ثلاث، تبادل الأسد الهرم المدينة، والثعلب الطامع في الاستحواذ، على أي شيء؛ حتى لا شيء.
عراك الوحوش، طحن عظام المدينة العجوز: ليلة البارحة، مثل كل الليالي، مواءُ القطة، صدعَ شوارع المدينة، لكن بنغازي، مدينة غارقة في ليل شخيرها، حتى لم تفطن للإعلان رقم 1، للحكومة البريطانية العسكرية في برقة / الاحتلال الثالث:
لما كانت بعض المناطق الليبية، في الأيام الأخيرة، تحت الحكم الإيطالي، قد أعيد أو سيعاد احتلالها، على أيدي قوات صاحب الجلالة البريطانية، وقوات أخرى تحت قيادتي، وبما أنه يترتب علي، بوصفي القائد العام، أن أؤمن حفظ النظام، في المناطق السالف ذكرها، بناء عليه، أنا الجنرال مونتجومري أعلن ما يلي:
1 – بدء الاحتلال: يعتبر بدء الاحتلال، من تاريخ توقيع هذا الإعلان .
2 – بطلان الإعلانات والأوامر السابقة؛ وبالرغم من هذا البطلان، فإنه إذا كان أي عمل من الأعمال، قد وقع بمقتضى أي إعلان، أو أمر ملغى، فإن ذلك العمل يعتبر صحيحا، إذا كان قد وقع، في مكان احتلته قواتنا، تحت قيادة أحد أسلافي، وكل من يكون، قد ارتكب، في أي مكان من هذه الأمكنة، جرما مخالفا لأي إعلان، أو أوامر من تلك الإعلانات أو الأوامر، يكون عرضة للعقاب، من محكمة عسكرية، تشكل فيما بعد بأمر مني .
3 – حفظ الأمن العام: بهذا أنذر، كافة سكان المنطقة، المذكورة (ذكورا وإناثا)، بأن يكفوا عن إتيان، أي عمل من الأعمال، التي تؤدي بطبيعتها، إلى الإخلال بالأمن العام، أو الإضرار بمصالح، قوات صاحب الجلالة البريطاني، وقوات حلفائه، أو قوات أحلافها، أو مساعدة أعدائهم، وعليهم أن يمثلوا في الحال، لجميع الأوامر الصادرة بمقتضى سلطتي. وكل من تثبت إدانته، أمام محكمة عسكرية، لمخالفته أي أمر من هذه الأوامر، يعرض نفسه للحكم عليه بالإعدام، أو أي عقاب أخف منه كما أجيزه.
4 – مادام أهالي البلاد المذكورة، يلتزمون السكينة ويطيعون الأوامر، فلن يكونوا عرضة، للتدخل بأكثر مما تحتمه، المقتضيات العسكرية.
5 – تعلق صورة هذا الإعلان، وما يليه من الإعلانات المختلفة، المختصة بالأهالي، في كل دائرة متصرف، وفي كل دار محكمة، وفي كل مركز من مراكز الشرطة، الداخلة ضمن اختصاصي.

• صدر في هذا اليوم، الحادي عشر من شهر نوفمبر 1942 – ب . ل . مونتجومري – جنرال، القائد العام للجيش الثامن .

انتهى الإعلان، فازدحمت الأشباح تطالع طالعها ، لم يكن أحد في المدينة ساعتها، هذا الثامن، للمرة الثالثة، يلطخ الأبيض بالأسود، في مرتين سابقتين، محا جيش البارينز، جيش هتلر وتابعه قفة موسوليني، هذا التلطيخ.
رتع الورق في الفراغ، ودوخ الأمر الشرطة، فهي قوة إيطالية، حارت في معرفة أو ترجمة لفظة الأهالي، في المرتين السابقتين، تمكنت هذه من ذلك، فكل من تعاون مع المحتل هو عدو، لكن الخلطة الثالثة تبدو ثابتة، لهذا أهدر مونتجومري منيه الأسود، على حيطان منهارة، ونفوس لا وجود لها، حتى في السجل المدني، الذي لا وجود له أصلا، حيث حضر كل أحد لا وجود له، وسجل غياب من توجه لهم القرار، فالمدينة كانت دون أهل، والأهل دون مدينة، لكن الاحتلال الثالث، ما حققه الجيش الثامن البريطاني، بقيادة مونتجمري، ثبت أركانه، حيث تداعى كل شيء.