Atwasat

الحلم الليبي «2-2»

محمد عبدالرحمن بالروين الأحد 02 أغسطس 2020, 03:26 مساء
محمد عبدالرحمن بالروين

في الجزء الأول من هذا المقال، حاولت تعريف المقصود بمصطلح «الحلم الليبي»، ولماذا يجب اعتباره مهمًّا. أما في هذا الجزء الثاني والأخير فسوف أحاول تسليط بعض الضوء على الخلاصة من هذا الموضوع، والتأكيد على مجموعة من القيم الضرورية لتحقيق الحلم الليبي المنشود.

الخلاصة: يمكن القول إن الحلم الليبي هو الفكرة التي من خلالها يصبح وطننا بيتًا لكل الأحرار، وأرضًا للفرص المتكافئة للنجاح، والسعي نحو السعادة. ولعله من المناسب أن أختم هذا المقال بالتأكيد على مجموعة من القيم الضرورية لتحقيق الحلم الليبي المنشود، والتي لعل من أهمها:

أولًا: الفردية، بمعنى التأكيد أن أهم شيء في المجتمع والدولة الحديثة هو الفرد «أي المواطن »، والعمل على تحقيق سعادته، وأن ما يعنيه النجاح والسعادة لشخص ما، ليس بالضرورة ما يعنيه لشخص آخر. وبذلك يكون الأمر متروكًا لكل مواطن ليقرر كيف ومتى يبدأ وينتهي حلمه. ويجب النظر للحلم الليبي على أساس أنه ليس حلمًا واحدًا، بل مجموعة الأحلام المشتركة لكل الليبيين.

ثانيًا: الدولة، بمعنى التأكيد على دور الدولة في تحقيق أحلام المواطنين، واقتصار هذا الدور على إتاحة الفرص والإمكانات الكافية والعادلة لتحقيق ومتابعة هذه الأحلام.

ثالثًا: النفسية، بمعنى التأكيد على اعتبار الحلم الليبي جزءًا أصيلًا وعميقًا من النفسية الليبية الجامعة، واعتباره أحد أهم الأدوات الاجتماعية المُوحدة لا المُفرقة في بناء الدولة.

رابعًا: الرؤية، التأكيد على اعتبار الحلم الليبي رؤية حية ومتجددة للنجاح والبحث عن السعادة، تبدأ من تربية الأطفال - الأدوات الضرورية للحياة - ومساعدتهم على النجاح، وتشمل عمليات التفكير السليم، ومناهج النقد البناء، وتُبنى على نتائج البحوث العلمية في السعادة والرفاه.

خامسًا: العمل، بمعنى التأكيد على أن الفرضية الأساسية تقوم على أن العمل الجاد مطلب أساسي وضروري لتحقيق الحلم الليبي، وعليه يجب التخلص من ثقافة المنح والاستحقاقات، لأنها تخل بفكرة الحلم الليبي وضارّة للوطن والمواطن.

سادسًا: الرضا، بمعنى التأكيد على أن الهدف الأساسي للحلم الليبي ليس بالضرورة في تحقيق الثروة، ولا في النجاح، ولا في الوصول إلى الشهرة، وإنما في رضا المواطن لأنه حاول واجتهد للوصول إلى ما يسعى إليه، وتحقق له ذلك في مناخ حر وعادل، وأنه راضٍ بما حققه.

سابعًا: التعليم، بمعنى التأكيد على أن الحلم الليبي يبدأ بالتعليم، ويتحقق من خلال الاستثمار في المعرفة، ويزدهر عندما يحل القلم محل البندقية، والاختيار بدل الإجبار، والرضا محل الجشع. والعفو بدل الانتقام، ولكن الحقيقة المؤسفة هذه الأيام أن غالبية الشعب الليبي لا يمارس أفضل ما يملك من أفكار، ولا يُعلم أطفاله التعليم الصحيح، ولا يساعدهم على الحصول على المعرفة النافعة والمفيدة.

في الختام، لعلّ أحدًا قد يسأل فيقول: هل فعلا ينبغي على الليبيين أن يحلموا وهم يعيشون في هذا الواقع المُزري والحزين؟ وهل هم قادرون على القيام بذلك؟ وهل لا زالوا راغبين في التعايش مع بعضهم البعض بعد كل هذا الاقتتال الوحشي، والدمار الكامل، والحقد الدفين، والبغضاء المقيتة بينهم؟ وبمعنى آخر: هل بقي لهم شيء في وطنهم «ليبيا » يمكن أن يجمعهم ويوحد كلمتهم؟

في اعتقادي المتواضع، أنه حينما تسيطر الأسلحة على جميع مناحي حياتنا، ويتحكم السفهاء في كل مفاصل دولتنا، ويصبح المال الفاسد المعيار الأساسي والوحيد لتقييم النجاح في تصرفاتنا، فلا بديل للمواطن في وطني إلا أن يحلم، لأنه الخيار الوحيد، المتبقي له، لإعادة الانطلاق من جديد نحو مستقبله، ولأن الحلم هو مصدر الأمل ونقطة الانطلاق بالنسبة له. وما على المواطن، خصوصا البسيط في وطني، إلا أن يبدأ -بعد الاتكال على الله عزّ وجلّ- يحلم بأن القادم أفضل، وأن يحلم بأن هؤلاء الفاسدين المفسدين زائلون لا محالة، وأنهم كالزبد الذي يقول الله فيه: «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكثُ في الأرض» (الرعد: 17(.

وعليه يمكن القول، لم يبقَ أمام المواطنين البسطاء، بل وكل الخيرين في الوطن، إلا أن ينطلقوا نحو «الحلم الليبي»، الذي سيكون جميلًا لهم جميعًا، وسيكون بإذن الله لأطفالهم أجمل وأسعد وأحسن. وما عليهم إلا أن يعملوا على أن تصبح فكرة هذا الحلم رؤية وطنية مستقبلية أكثر إشراقًا وأملًا. فما أروع أن يكون للمواطن الليبي أحلام، والجميل أن يكون من الحالمين، ويشارك في صناعة الحلم الوطني الجديد، ويعيش حياة منتجة ومتفاعلة مع رفاقه وكل مكونات مجتمعه، ويسهم بذلك في تحويل وطنه «ليبيا » إلى مكان خاص لكل الحالمين، وفي هذا الوطن الجديد يتم تطوير ذاته، وتنقله بحريّة من مكان إلى مكان، وتصبح ليبيا الوطن الذي يكافأ فيه العمل الجاد بالأمن الاقتصادي والرقي الاجتماعي، ويكون «وبحق » وطنًا كله أمل وفرص وحرية، وطنًا يشعر فيه كل إنسان «ولا أقول كل مواطن » بالسعادة والانتماء والأمن والأمان.

فهل في الإمكان أن يقوم الليبيون بذلك؟
في اعتقادي... نعم، في الإمكان.
أخيرًا يا أحباب، لا تنسوا أن هذا مجرد رأي،
فمن أتى برأي أحسن منه قبلناه،
ومن أتى برأي يختلف عنه احترمناه.