Atwasat

خريطة لبناء ليبيا الحديثة «3»

محمد عبد العزيز الفقهي الأحد 02 أغسطس 2020, 03:06 مساء
محمد عبد العزيز الفقهي

الميثاق الوطني
منذ نشوء هذه الخليقة، تمحور الصراع على السلطة بين البشر، أبيضهم وأسودهم، كافرهم ومسلمهم حول ثلاثة محاور، وهي إما حول هوية الحاكم، أو هوية الحكم، أو إدارة الحكم. الأول هو محور الصراع في المجتمعات البدائية، وهو حال الصراع على السلطة في أوروبا قبل عصر التنوير والثورات، ثم انتقلنا إلى الصراع على هوية الحكم، وهو الصراع في المجتمعات التي تمر بصراع التحديث، وأعني بهوية الحكم، هو كنه شرعية نشوء السلطة وتداولها، أي ديني، أو غير ديني، دولة وطنية أو عالمية، ديمقراطية أم غير ديمقراطية.

واستمر الصراع حول هذا المحور في أوروبا زهاء القرنين، من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية، حتى استقرت هوية الحكم المتمثلة في ديمقراطية ليبرالية وطنية، وانتهاء الحكم الثيوقراطي الأتوكراطي العالمي. أما الصراع حول إدارة الحكم، فهو الصراع حول كنه تدبير السلطة خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد السياسي. وهو الصراع في المجتمعات الحديثة الذي يحدد إطار العمل الحزبي في الديمقراطية الراسخة، كالصراع بين الحكم الرأسمالي والشيوعي الذي طبع فترة الحرب الباردة، فالأحزاب في الديمقراطية الراسخة لا تتصارع حول هوية الحكم، وإنما حول إدارته.

أما في تاريخنا فالصراع كان حول هوية الحاكم إلى سقوط الإمبراطورية العثمانية. وفي فترة ما بعد الاستعمار، بدأ الصراع على هوية الحكم. فمجتمعاتنا العربية هي مجتمعات ليست بدائية، وليست حديثة، وإنما تمر بصراع التحديث، ومن ثم انقسم مجتمعنا حول هوية الحكم بين تيار إسلامي، وتيار وطني أو قطري. الأول لا يعترف بالدولة القطرية الوطنية، ويسعى إلى دولة الجامعة الدينية، أما الثاني فيسعى إلى دولة الجامعة الوطنية.

خريطة طريق لبناء ليبيا الحديثة «حول الانتقال الديمقراطي: فلسفة لدولة ليبية حديثة» (1)
خريطة طريق لبناء ليبيا الحديثة «2»

ونظرا لعدم حسم الصراع، وعدم تكون عقد اجتماعي، خُلق فراغ سياسي، حل محله الحكم العسكري، الذي كان بديلا للفوضى لعدم وجود مصالحة دستورية بين الإسلاميين وخصومهم حول هوية الحكم. وبعد الربيع العربي، تحولت الحرب الباردة حول هوية الحكم إلى حرب ساخنة خاصة في مصر، وليبيا، واليمن، وسورية. فمرة أخرى، التوصيف بالثورة المضادة غير دقيق، وإنما هي حرب أهلية حول هوية الحكم، لأن الربيع العربي لم تتقدمه طليعة متفقة حول هوية الحكم، وإن طفح المصطلح المشكك للدولة المدنية، الذي معناه الظاهر، الدولة غير العسكرية، وليس بالضرورة الديمقراطية، ومن ثم لا ديمقراطية في ظل عدم الاتفاق على هوية الحكم. وحتى يتسنى هذا، لا بد من اتفاق الجماعات الاعتبارية المتنازعة على ميثاق يكون كعقد اجتماعي، تحسم فيه هوية الحكم، وكل ما يخص حيثيات تداول السلطة كما في الميثاق الآتي:

1- تقوم الدولة وتستمر على شرعية المصالحة الدستورية بين الأطراف المتنازعة أو المتنافسة، لا على المغالبة، وبالتداول التعددي السلمي الرشيد على السلطة وهو المتضمن حظر التوريث، وحظر احتكار السلطة في حزب، أو جماعة، أو قبيلة، أو مدينة أو منطقة، وحظر المحاصصة.

2- عدم تدخل المؤسسة العسكرية في الحكم وإمرتها تحت سلطة مدنية منتخبة.

3- حظر إقامة تشكيلات مسلحة خارج المؤسسة العسكرية، ولا تشكيلات مسلحة جهوية أو عقائدية، وحصر السلاح بيد الدولة.

4- حظر القوى السياسية التي تحرض على القتل المعنوي أو الجسدي أو التي تسعى مع سبق الإصرار إلى التوريث، أو الاحتكار أو المحاصصة، أو تأخذ تمويلها من الخارج أو مرتبطة بتنظيم خارجي.

5- حظر المحاصصة وحصرها في نواب القائد الأعلى، وغرفة الشيوخ للبرلمان فقط.

6- تجريم فرض مواقف سياسية أو مشاريع قوانين بقوة السلاح أو أي صورة من صور الإكراه.

7- تجريم التمييز بكل أشكاله، والتمييز الناشئ من مواقف سياسية مفروضة بقوة السلاح أو أي صورة من صور الإكراه.

8- تجريم الإخفاء القسري، التعذيب والسجن باعتبار الهوية أو الموقف السياسي، والمحاكمة غير القانونية.

9- تجريم فرض التعيين بالبيروقراطية باعتبار التوريث أو الاحتكار أو المحاصصة.

10- الحق الطبيعي لمواطني الأمة الليبية في تكوين أحزاب وقوائم سياسية، والتي لا يبطلها قانون ولا سلطة أمر واقع، وإنما تنظم إنشاءها وعملها القوانين ذات الصلة.

11- الحق الطبيعي لمواطني الأمة الليبية في حرية التعبير، والتجمع، وتكوين مؤسسات المجتمع المدني والتظاهر، والفكر، والبحث العلمي، الذي تنظمه قوانين ذات صلة.

12- المؤسسة الطبيعية في المجتمع هي الجمعية الوطنية التي يتمثل فيها نواب الشخصيات الاعتبارية والتقليدية، والتي تعد برلمانا طبيعيا والمتكونة من ممثلي المجالس البلدية، والنقابات المهنية «مشمولا فيها ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني»، وممثلي المجالس الاجتماعية، وممثلي الأحزاب أو القوائم الفائزة في البرلمان المنتخب، أو آخر برلمان منتخب، في حالة شغور البلاد من برلمان. والجمعية الوطنية سلطة رابعة تحكيمية تنعقد عند الضرورة في حالة الاستقرار الدستوري، وتنعقد بشكل دائم في حالة شغور البلاد من برلمان، ووظائفها: أولا: إبرام المواثيق الاجتماعية. ثانيا: رفع الغطاء الاجتماعي عن الخارجين عن القانون. ثالثا: التحكيم في المسائل التي تهدد السلم الأهلي، والمبادرة للمصالحة الاجتماعية. رابعا: طرح مسائل ومشاريع قوانين للاستفتاء الشعبي. أخيرا، في حالة الانقسام، أو شغور البلاد من برلمان منتخب، تنعقد الجمعية الوطنية، وتعمل كبرلمان انتقالي لتعيين حكومة تسيير أعمال، وإجراء انتخابات للسلطة التشريعة والتنفيذية.

13- الحق الطبيعي لمواطني الأمة الليبية في الاستفتاءات الشعبية في الحالات التالية: أولا: التحكيم في النزاعات الأهلية والسياسية بين السلطات. ثانيا: عزل الرئيس أو الحكومة التي وجب خلعها عند فقدان الثقة المحددة في الخيانة عظمى، جرائم ضد الإنسانية بعد سبق الإصرار، أو شروع في تعصيب بواح من توريث أو احتكار للسلطة أو محاصصة. ثالثا: اعتماد اتفاقيات الاتحاد والأحلاف العسكرية. رابعا: اعتماد الدساتير. خامسا: اعتماد قوانين في حالة فراغ سياسي أو انقسام المؤسسات أو مماطلة البرلمان، أو في حالة مشاريع القوانين المرفوضة من البرلمان، للفصل بين مشروع القانون والرفض المسبب من البرلمان. سادسا: مشاريع القوانين المتعلقة بتداول السلطة، والسيادة، والحقوق السياسية والإفتاء.

14- الاستفتاء الشعبي في حالة عدم إمكانية الاقتراع الشعبي السري المباشر، يكون بالاستفتاء الإلكتروني.

15- الحق الطبيعي للأمة الليبية في انتخاب رئيس السلطة التنفيذية مباشرة، وليس بالتعيين، ولا الانتخاب غير المباشر.

16- الحق الطبيعي لرئيس السلطة التنفيذية ووزرائه في اختيار فريق العمل لتنفيذ سياساتهم مدة ولايتهم فقط والمحاسبة باعتبار نتيجة الاختيارات لا هويتها، لكيانهم السياسي أو قبائلهم في الملاك الوظيفي بعد نهاية الولاية. وتنظمه القوانين ذات الصلة.

17- البرلمانات المنتخبة، تنتخب على أساس القوائم أو الأحزاب، وتحدد ببرامجها لا أشخاصها، ونسبة الفردي في البرلمان لا تتعدى ربعه كحد أقصى، حتى يتسنى انتخاب رئيس السلطة التنفيذية مباشرة من الشعب، باعتبار برنامجه في حالة اعتماد الدستور النظام البرلماني، لا أن ينتخب رئيس السلطة التنفيذية بطريقة غير مباشرة عبر البرلمان أو بطريقة المحاصصة. وتنظم نسب البرلمان ومقاعده باعتبار الدستور والقوانين ذات العلاقة.

18- هوية الحكم للأمة الليبية هي ديمقراطية، إسلامية، وطنية. ديمقراطية أي تداول سلمي تعددي دون تعصيب للسلطة، ولا حكم قهري يلغي التداول مطلقا أو جزئيا. إسلامية، أي حكم القانون مستمد ولا يتعارض مع الشريعة. وطنية، أي تحترم وحدة التراب وسيادة الدول.

19- نظام الاقتصاد السياسي مبني على الشراكة والاتزان بين القطاعين الخاص والعام، وتنظمه قوانين بالخصوص. والنظام الإداري مبني على الاتزان بين المركزية واللامركزية على حسب الظرف التاريخي، والذي تنظمه قوانين بالخصوص.