Atwasat

العلاقات الإثيوبية المصرية والصراع على مياه النيل «6»

محمود محمد خلف الأحد 02 أغسطس 2020, 01:08 مساء
محمود محمد خلف

موقف الولايات المتحدة الأميركية
في السياسة الخارجية الأميركية، تُشكل منطقة القرن الأفريقي، حيث تقع إثيوبيا، منطقة إستراتيجية لا تقل حيويةً وخطورةً في الصراعات الدولية عن منطقة الشرق الأوسط، التي تعتبر مصر القلب بها، بالإضافة إلى مركزية منطقة حوض النيل في الفكر الإستراتيجي الأميركي، وبالتالي فإنّ الاهتمام الخاص الذي يُوليه الأميركيون لقضايا الصراع الإقليمي هناك ضرورية لحماية وتعزيز المصالح الأميركية وتقليص نفوذ الدول المنافسة.

وقد اهتمت إدارة الرئيس ترامب بالصراع الإثيوبي المصري حول مياه النيل لتخفيف حدَّة التوتر التي تزداد يوما بعد يوم.
وبمتابعة سريعة للجهود الدبلوماسية الأميركية التي اتخذت مسارين؛ الأول عن طريق الرئيس مباشرة ووزارة الخارجية، والثاني عن طريق وزارة المالية واتصالاتها بالمصرف الدولي.

فمنذ 2015 إثر إعلان المبادئ المشهور بين إثيوبيا والسودان ومصر، دفعت الولايات المتحدة بمسودة اتفاق لحل الصراع. ومن ذلك التاريخ وحتى اجتماعات واشنطن بين الفرق المتفاوضة من إثيوبيا والسودان ومصر تحت إشراف ومتابعة مباشرة من السيد ترامب إلى غاية ديسمبر 2019، كانت الفترة قد شهدت تباطؤ إثيوبيا في الردّ على صيغة المسودة الأميركية.

وفي الوقت نفسه استمرت إثيوبيا في العمل، كما رأينا حتى اكتمل بناء سدّ النهضة وتعبئة الخزان في مرحلته الأولى.

ومنذ نوفمبر 2019 جرت مفاوضات مكثفة بواشنطن، وكان الرئيس المصري طلب من ترامب المساعدة ببذل جهوده من أجل صفقة اتفاقية مع إثيوبيا. وفعلا مارس ترامب وسائله وضغوطه نحو هذا الاتجاه.

وفي تقديري، فقد كان ترامب يبحث عن نجاح شخصي له في حملته الانتخابية، ولم يكن يعنيه مراعاة المسالك وأدوات الإقناع الدبلوماسية وصولا إلى اتفاق حقيقي يخفف حدة الصراع ويحقق التوازن في المصالح والمنافع للطرفين.

وكما لاحظ السيد ديفيد شين «David Shinn»، وهو سفير أميركي سابق في إثيوبيا، «أن الولايات المتحدة تركت بصماتها على الاتفاق منحازة إلى مصر. ولذلك رفض الوفد الإثيوبي اتفاق ترامب وانسحب من مفاوضات واشنطن».

وكذلك فشل المسار الأميركي الثاني الذي سعت وزارة المالية الأميركية إلى حفز المصرف الدولي على ممارسة ضغوطه لعرقلة القروض والتمويل الدولي المقدم إلى إثيوبيا.

وبفشل الجهود الأميركية يجب أن يكون قد اتضح للمصريين أن الاعتماد على جهود ترامب وحدها غير كاف، بل ربما أعطت نتائج غير متوقعة.
ما الصعوبات التي واجهت مفاوضات واشنطن؟

لقد اتضح من مناقشات المسودة بعض الحقائق المذهلة والعوائق الفعلية المربكة للفرق المتفاوضة، خصوصا تلك النقاط التي وصفها الوفد الأميركي بأنها «بالغة الحساسية»؛ مثل تنسيق مدة سنوات تعبئة خزان النهضة إلى أقصى طاقته التي ستصل إلى 74 مليار متر مكعب، وحصص مصر والسودان من المياه سنويا، وما يجب عمله في سنة الجفاف، حيث أوضح الإثيوبيون أنهم لن يوقعوا أي اتفاق ملزم يضمن لمصر حصة محددة مسبقا سنويا، لأن هذا مطلب لا يمكن تأمينه، لعدة أسباب، من بينها أن مياه النيل الأزرق موسمية*، وكذلك فإن كبر حجم خزان النهضة يعود إلى حقيقة غير واضحة لدى الكثيرين، حيث إن مياه الأمطار في شهري 7 و8 من أعالي المرتفعات تحمل معها الطمي أو الترسيب «وهو طين تراسبي»، وبالتالي ليس كل ما في الخزان مياها؛ ولذلك لم تنجح تجربة إثيوبيا في السابق التي اعتمدت على السدود الصغيرة مثل سد عطبرة الذي لا تتجاوز سعته سبعة مليارات متر مكعب. كذلك أوضح الوفد الإثيوبي مشاكل وصعوبات الجفاف، خصوصا عندما يطول لسنوات متتالية.