Atwasat

المركزية الأوربية والعنصرية

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 19 يوليو 2020, 04:08 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

بداية من القرن السادس عشر الميلادي شرع التفوق الغربي (= الأوربي) العسكري يظهر، وأخذ يتنامى عبر حوالي القرون الأربعة التالية بحيث فاضت أوروبا على العالم. وبالطبع تزامن هذا التفوق العسكري مع تفوق علمي ومعرفي، غير منكور.

هذا التفوق الشامل والهائل أدى، في القرن التاسع عشر، إلى ظهور مصطلح "المركزية الأوربية"، الذي تحول لاحقا إلى مصطلح "المركزية الغربية" بحيث صار يشمل الولايات المتحدة الأمريكية.

انبثقت عن هذه المركزية "مُسلَّمة" تقول أن تطور الحضارة البشرية قد بدأ في أوروبا وانتشر في العالم، وترى أن الشعوب غير الأوربية انقسامية ولم تبلور (وقد لن تبلور) هوية واضحة محددة على غرار ما جرى في أوروبا. وإذن فهي قاصرة. وهذه الرؤية تسري في التنظيرات والأعمال والبحثية.

هذا، بالطبع، يشف، بوضوح، عن نظرة عنصرية تتجلى في التعامل المنحاز إلى أوروبا [الغرب] والمتحامل على بقية الشعوب في كثير من المسائل، في صدرها المسائل التاريخية، حيث يُمجد تاريخ الأمم الغربية "المتحضرة" ويشذب، وتبرز مساويء تاريخ "البرابرة والمتوحشين".

لا تسمح طبيعة هذا المقال بالاستفاضة بالخصوص وحشد الأدلة المبرهنة على هذا الطرح، وسأكتفي بمثال واحد غريب. ومصدر الغرابة، أو الاستغراب هنا، أنه لم يكن من المتوقع أن تتخفى فكرة التفوق الغربي في هذا المكان.
شاهدت مؤخرا فلمين تاريخيين ناطقين بالإنغليزية، الأول فلم وثائقي عن جنكيز خان وخلفائه، والثاني فلم روائي عن الصراع بين قرطاجنة وروما الذي كان أبرز وجوهه القائد القرطاجني الشهير، الذي يعتبر من أبرز القادة العسكريين على مر التاريخ، هانيبال (= هنيبعل= حنَّبعل)، حيث انتهى هذا الصراع، ضمن ملابسات تاريخية معينة، بهزيمته، وبالتالي هزيمة قرطاجنة.

في الفلم الأول يتم إبراز إحكام خطط قادة المغول العسكرية وبراعة ودقة تنفيذها، وتُبرز، على وجه الخصوص، قسوتهم وخلو تصرفاتهم إزاء المدن المفتوحة والشعوب المهزومة من الرحمة، حيث تنهب المدن وتسلب وتحرق، ويباد سكانها.

أما في الفلم الثاني فيتم إبراز عبقرية هانيبال العسكرية في رسم الخطط وتنفيذ المفاجآت العسكرية والحيل [التكتيكات] القتالية البارعة، بحيث كان، في جميع المعارك التي خاضها، يكبد الجيوش الرومانية المقاتلة خسائر فادحة ومخجلة، رغم تفوقها العددي (في إحدى المعارك كانت النسبة 1: 13 لصالح الرومان).

لكن ما يسكت عنه الفلم هو ما فعله الرومان المنتصرون بمدينة قرطاج المهزومة وأهلها. فمن المعروف أن مدينة قرطاج، قلب إمبراطورية قرطاجنة، تعرضت إلى النهب والسلب والحرق، وأنه أبيد حوالي نصف مليوني قرطاجني. كما أن محيط مدينة قرطاج من الأراضي الخصبة رشت بالملح وحرثت لتعقيمها وإبطال خصوبتها.