Atwasat

العلاقات الإثيوبية- المصرية «4» حرب المياه القادمة

محمود محمد خلف الجمعة 17 يوليو 2020, 10:34 مساء
محمود محمد خلف

كان الأسبوع الأول من يوليو الجاري نقطة تطور مهمة جدًّا في ملف سد النهضة، حيث أعلن وزير الري الإثيوبي بعد أخبار متفرقة من صحف إثيوبية ممهدة لظهور الوزير، وقبل هذا الإعلان الرسمي تأكد في جنوب السودان الأمر، بسبب هبوط معدل مستويات المياه المسجلة في بعض المحطات الخدمية، كما أوضحت صور الأقمار الصناعية أن المياه بدأت تتلألأ على سطوح السد.

ورغم هذه الدلائل القاطعة على أن إثيوبيا قد اتخذت خطوة جريئة بقرارها من جانب واحد بملء خزان السد، فإن السياسة المصرية أظهرت برودًا غير معقول في الاستجابة للتحرك الإثيوبي الجريء.

علينا أولًا تسجيل بعض الملاحظات حول جمود الموقف المصري:
أولًا: تحدث وزير الري المصري عن مفارقة عجيبة كان يرفضها المفاوضون المصريون أيام ناصر والسادات ومبارك، وهي مقارنة بين البلدين في درجة حاجتهما إلى حجم معين من مياه النيل، حيث أبرز الوزير المصري لقناة «الجزيرة مباشر» أن مصر بها 6% من أراضيها صالحة للزراعة، بينما إثيوبيا لديها 96% أراضٍ زراعية، كما أشار إلى أن الأبقار تعيش على هذه الأعشاب والمياه، كأن الجاموسة المصرية كائن بعلي.
إن منطق الوزير المصري خطير لأنه يكرر لغة الخصم، وفي الصراعات الدولية معروف أنه من البدهيات السلوكية أن عليك عدم فعل ذلك.
ثانيًا: عودة النداء المصري والاستغاثة بمجلس الأمن؛ وهذا مسلك ضعيف ومتخاذل، لأن الدبلوماسيين المصريين المهرة الذين تستطيع تحديدهم بالاسم يعلمون جيدًا أن هذا الطريق مسدود، ومضيعة للوقت.
ثالثًا: إن رسالة الخارجية المصرية التي وجهت إلى الحكومة الإثيوبية والتي طلبت فيها توضيحًا لحقيقة وتفاصيل قرار ملء سد النهضة تعتبر ردًّا باردًا وغير متوقع لا من الشعب المصري ولا حتى من إثيوبيا. إنه يشبه إرسال رسالة للتحقق من عمليات قتل بطلب أسماء المقتولين، وهنا قرار الموت يتعلق بحياة الفلاح المصري.

رابعًا: إن ردود الإعلام المصري للتحرك الإثيوبي تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك بوقوعه في مصيدة المراوغة والتضليل الإعلامي الإثيوبي، الذي نجح إلى حد كبير في اتباع سياسة إعلامية مدروسة تواكب قرار ملء الخزان للتغطية والتمويه.

تجديد الفكر الإستراتيجي المصري في هذه المرحلة:
منذ نهاية القرن الماضي، ومع مطلع الألفية الثالثة، تغير وجه العالم، ولم يعد هناك شيء كما كان على جميع المستويات. وحسب تعبير العلامة جيمس روزيناو «كلما فتحنا عيوننا على عالم جديد احتجنا إلى نظريات جديدة».
ومصر لم تستقر بعد أحداث يناير 2012 إلا بعد ثورة 30 يونيو، وظلت الدولة المصرية تعاني آثار «الربيع العربي».

ودون الدخول في تفاصيل، نركز على الصراع الحاد والتحدي الكبير الذي يواجه مصر في مياه النيل مع إثيوبيا. وهنا نؤكد أن علماء الإستراتيجية المصرية مطالبون بوضع أسس جديدة للحركة السياسية والعمل السياسي الخارجي، وهنا نسجل بعض الملاحظات التي لا يجب أن تغيب عنا:
- إن على مخططي الإستراتيجية المصرية وصانعي القرار التحول السريع من السياسة الناعمة إلى سياسة التشدّد في مواجهة الصلف الإثيوبي، الذي لم ولن يتوقف إلا بتغيير مصر لأسلوب التعامل مع ملف المياه.
- إن أدوات الخطاب المصري الذي ينبغي أن تكون على درجة أكثر حدة من اللغة الإثيوبية السائدة والتي وإنْ يمتصها صانعو السياسة إلا أن الشعب لا يستطيع امتصاصها أبدًا.
- إعادة النظر في تعريف وتحديد قواعد التعامل مع القضايا الأمنية والإستراتيجية في الحياة السياسية المصرية.
- على السياسة الخارجية المصرية أن تسعى جادة إلى حليف دولي قوي أو أكثر؛ ربما روسيا هي الدولة الأكثر أهمية، بالإضافة إلى دول آسيوية كثيرة.
- إعادة النظر في السياسات الإعلامية والدعائية وضرورة تطوير منطقها القديم وآلياتها العتيقة التي لم تعد تتمشى مع عصر العولمة.

حرب المياه القادمة:
تغير الفكر الإستراتيجي المصري وتحديد رؤية للأمن القومي المصري يحتم على مصر الآن التدارس الفعلي لرد فعل عسكري فوري. وللقيادة المصرية تحديد تفاصيل الخطة والخطة «ب»، وتحديد التوقعات.
كذلك فإن هذا يتطلب حشد الأنصار والمؤازرين والحلفاء في هذه المسألة الوطنية والقومية الحاسمة، وكذلك إعداد الخطة الإعلامية المواكبة لسياسة الدفاع عن مياه الحياة.